/ صفحه 75/
هذا الرأي هو أنه لما كانت هذه الأحرف عنصر الكلام وبسائطه التي تركب منها افتتحت السور بطائفة منها إيقاظاً لمن تحدّى بالقرآن وتبنها على أن المتلو كلام منظوم من عين ما ينظمون منه كلامهم فلو كان من عند غيرالله لما عجزوا عن آخرهم ـ مع تظاهرهم وقوة فصاحتهم ـ عن الاتيان بما يدانيه وما ذلك إلا لأنه ليس; كلام البشر وإنما هو من كلام خالق القوي والقدر.
والذي يرجح هذا الرأى عندي أمور.
أولها: إنك إذا تأملت ما أورده الله عزسلطانه من الحروف في الفواتح وجدتها نصف أسامي حروف المعجم أربعة عشر من غير حسبان الألف فيها حرفاً برأسها يجمعها قولك (طرق سمعك النصيحة).
ثانيها: هذه الأربعة عشر مشتملة على انصاف أنواع الحروف من حيث أصواتها وصفاتها فإن فيها من الحروف المهموسة نصفها ومن الحروف الجمهورة نصفها ومن الشديدة نصفها ومن الرخوة نصفها ومن المطبقة نصفها ومن المنفتحة نصفها ومن المستقلة نصفها ومن المنخفضة نصفها ومن حروف القلقة نصفها. فهي أشبه ببرلمان تمثل هذه الأحرف الأربعة عشر اخواتها الباقية.
ثالثها: إذا استقرت الكلم وتراكيبها في اللغة العربية رأيت الحروف التي ألغى الله ذكرها من هذه الأنواع هي قليلة الدوران والذكر في الكلام فسبحان الذي دقت في كل شيء حكمته.
رابعها: إن هذه الافتتاحات لم تأت على وتيرة واحدة بل اختلف اعداد حروفها فوردت على حرف واحد نحو (ص، ق، ن) وعلى حرفين نحو (طس، حم) وعلى ثلاثة أحرف نحو (الم، الر، طسم) وعلى أربعة أحرف نحو (المص، والمر) وعلى خمسة أحرف نحو (كهيعص، حمسق). وذلك جرياً على عادة العرب في افتنانهم في أساليب الكلام وتصرفهم فيه على طرق شتى ومذاهب متنوعة فإن أبنية كلامهم على قائمة حرف وحرفين إلى خمسة أحرف لم تتجاوز ذلك.
خامسها:أنها كلها ذكر فيها الكتاب أو القرآن بعد تلك الأحرف التي افتتحت بها إلا سورتي العنكبوت والروم وسورة ن. ومع هذا ففي كل من هذه السور معنى مما يتعلق بإثبات النبوة والكتاب ولم تخل من ذكر الإنتصار للقرآن وبيان المجاز نظمه.