/ صفحه 387/
وشبيه بذلك في مجيئه على التمثيل قوله تعالى: (يأيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله) 1 / الحجرات، أي لا تقطعوا أمراً دون الاقتداء بهما، والاتباع لها. مثل المقدم على أمر لا يحتذي فيه أمر الله ورسوله بالجالس بين يدي متبوعه، وقد ولاه ظهره، والجامع هو ما في الحالين من الشناعة والهجنة.
4 ـ وتارة كناية عن القرب والطوع واليسر، كما في قوله تعالى في شأن سليمان: (ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه) 12 / سبأ.
(د) وجاءت لفظة ((بين)) مجرورة بمن:
1 ـ تارة لإفادة معنى الخصوص مثل: (أأنزل عليه الذكر من بيننا) 8 / ص، أي خاصة من دوننا.
2 ـ وتارة بمعنى الظرفية على الأصل، مثل: (نسقيكم مما في بطنه من بين فرث ودم لبنا خالصا) 66 / النحل.
وفائدة ((من)) الداخلة على ((بين)) في مثل هذه الآيات دلالتها على معنى الابتداء، وهو هنا حسي، وقد يكون معنوياً كما في قوله تعالى حكاية لما أقسم عليه إبليس وتوعد به: (ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم) 17 / الأعراف.
أفادت ((من)) في هذه الآية معنى الابتداء، وأفادت ((عن)) معنى المجاوزة، وذلك أنك تقول: ((جلست بين يدي فلان أو خلفه، أي في صميم البين والخلف لأنهما ظرفان للعقل، وجلست من بين يديه أو من خلفه، تريد أن الجلوس وقع في بعض الجهتين، كما يقال: جئته من الليل، أي في بعض الليل.
وكذلك الشأن في قولك: جلست عن يمينه، أي متجافياً عنه منحرفاً غير ملاصق بخلاف: جلست يمينه، فإن معناه في جهة يمينه.
فكأن إبليس يقول: سآتيهم مبتدئا من بعض النواحي التي أمامهم، وبعض النواحي التي خلفهم، يشير بذلك إلى الاستخفاء والتأتي على حذر لئلا يشعر به، ولذلك قال: ((وعن أيمانهم وعن شمائلهم)) أي متجافياً منحرفاً غير واضح.