/ صفحه 38/
إنها شيء عام في تاريخ الإنسانية، فلست أعرف شعباً قاتل إلا أن تكون له أيام يحرم فيها القتال وهذه الحرمة ما كانت لتنتهك.. كان الطرفان المتحاربان يقفان عندها وكان كل منهما حريصا الحرص كله على أن يوفى بهذا الالتزام الذي لم يكن مكتوباً في ورق ينشر أو يطوى. ولكن يبدو أنه كان مكتوباً على صفحات القلوب قال: ذلك بأنه صالح مشترك فأنت لا تحارب إلا أن تعد للحرب... إن الهدنة ليست في حقيقتها إلا مرحلة إعداد لحرب جديدة. قد تطول الهدنة وقد تقصر. وقد تكون ذات أجل مسمى أو غير ذات أجل مسمى. قد تختلف صورها ما شئت من اختلاف ولكنها من حيث الجوهر شيء لا يتغير: لا قتال إلى يوم لابد جاء.
قلت: ولماذا لابد جاء؟ إن فكرة الاسلام العالمي غزت عقول النّاس بل فتحتها فتحاً مبيناً، فلست ترى منكراً في أيامنا هذه إلا وصورة السلام العالمي مسئولة على دفاعه.
قال: الغريب أنكم تعممون ولا تبالون. فإنى لو سألتك: من أُولئك الذين سيطرت على أدمغتهم فكرة السلام العالمى؟ ما مدى تأثيرهم في شئون السلم والحرب أهم أصحاب نظر لا يزيدون على أن يقولوا أو يكتسبوا أم تراهم أصحاب عمل، كلامهم على قدر فعالهم؟ فما أحسبك مجيباً... هذا على أن الأمر الذي يشغلنا يسبق فكرة السلام العالمي بنحو أربعة عشر قرنا فقتيل العوص قتل قبل رسالة محمّد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.. ذلك من حيث التاريخ أمر مسلم.