/ صفحه 366/
أجيالها المتعاقبة، من المعاني الروحية، والقوانين الخُلقية، والآداب النفسية، واتخذوا من هذه المزاعم مذهباً دانوا به في عقائدهم وأخلاقهم وسلوكهم، فاستحوذت عليهم شياطين الإلحاد والفجور، وخلت قلوبهم من عقيدة البعث ورهبة الحساب والجزاء، والتبست عليهم معالم الحق والرشاد، واختلت لديهم موازين الحُسن والقُبح، فاسبتدت بهم الأهواء والشهوات، واستعبدتهم مفاتن الحياة ومُغرِياتُها، وغاب عنهم في غمرة هذه المذاهب الضالة المضللة، أن الإلحاد يمثل بتعاليمه أبشع صور الجحود والكفران، فليس شىءٌ أوْ غَلَ في جحود الفضل وكفران بنعمة ربه الذي ربَّاه على موائد كرمه وإحسانه، ونشر عليه في جميع أطواره لواء رحمته ورعايته، وأفاض عليه من سوابغ نعمه مالا يستطيع له إحصاءً ولا عدًّا، وأن الإباحية في نظر الإنسانية الكاملة ليست تحقيقاً لوجود الإنسان كما يزعمون وكما يضللون، وإنما هي قضاء على شخصيته وإنسانيته، وامتهان لكرامته وآدميته، ونزول به إلى حضيض المادية الحيوانية البحتة، إذ ليس من كرامة الإنسان وكمال شخصيته وإنسانيته، أن يكون في تفكيره وسلوكه عبداً لأهوائه، وأسيراً لشهواته ونزواته، وإنما كرامته وكمال شخصيته وإنسانيته، في أن يكون معتدلاً في قصده وتفكيره، مالكا لقياد نفسه وهواه، كابحاً لسَورة أطماعه وشهواته، واقفاً بمطالب النفس عند حدود التوسط والاعتدال، فلا تطغى عليه ميوله وأهواؤه، ولا تجمح به غرائزه وشهواته، هذا هو منطق الحق، وحكم العقل، ووحي الضمير، وإلهام الفطرة، ولكنها الأهواء عَمَّت فأعْمت القلوب وأفسدت الفِطر.