/ صفحه 365/
((فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره)) 99:7،8، وفي سورة البقرة: ((وما تفعلوا من خير يعلمه الله، وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولى الألباب)) 2:197.
هذه هي الحقائق التي تبين الحكمة التي لأجلها خلق الله الإنسان، وجعل له

ــــــــــ
(1) هو آدم وذريته، واكتفى بذكره عن ذكرهم لأنه الأصل، أو المراد النوع وهو الإنسان.

في الأرض مستقراً ومتاعاً إلى حين، وتوضح معالم الغية التي ينتهي إليها هذا الوجود الإنساني، مهما امتدت أزمانه وتعاقبت أجياله، كما قررها القرآن الكريم وقررتها سائر الكتب السماوية، وهي الحقائق التي استقرت في أعماق الضمير الإنساني، من أول يوم هبط فيه الإنسان الأول(1)من الجنة إلى الأرض، كما يشير إلى ذلك قول الله عز وجل، في قصة آدم وزوجه، وهبوطهما من الجنة إلى الأرض: ((قلنا اهبطوا منها جميعاً فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون، والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون)) 2:38، 39، ولكن أكثر الناس قد اجتالتهم الشياطين عما هو على كثب منهم، وانحرفوا في عقائدهم وسلوكهم عن حكمة الوجود الإنساني وغايته، كما يشير إلى ذلك مارواه مسلم وغيره من قول الله عز وجل في الحديث القدسي: ((وإني خَلقت عبادي يوم خلقتهم حُنفاء فإجتالتهم الشياطين عن دينهم))(2).
بل لقد طغى سلطان الحياة المادية في حاضرهم على العقول والأفهام، حتى هوى كثير منهم إلى الحضيض في تصويرهم لحقيقة الوجود الإنساني وغايته، فزعموا أن الوجود الإنساني إنما هو أعوام تمر، وقرون تتعاقب، وأجيال يطويها كر الغداة ومر العشي، وأعمار نهايتها فناء لا بعث بعده ولا حساب ولا جزاء، وأن هذه الحياة المادية هي منتهى ما للوجود الإنساني من حكم وغايات، وأن الإنسان ماوُجد إلا ليحيا حياة مادية في طابعها ومقوماتها وأهدافها، وبنوا على هذه المزاعم الإلحادية الباطلة، أن الحياة المادية هي التي تحقق الوجود الإنساني الذي صوره خيالهم وضلالهم، وأن هذه الحياة المادية لا تتحقق إلا بالإلحاد والإباحية وعبادة الأهواء والشهوات، والإغراق في مُتع الحياة، وإشباع الغرائز والنزوات، والتحلل من كل ما جاءت به الشرائع الإلهية، ودانت به الإنسانية في

ــــــــــ
(1) هو آدم أبو البشر.
(2) سيأتي الحديث عن الفطرة الإنسانية في بحث مستقل.