/ صفحه 348/
والله عز وجل أمر بإقامة الحد الشرعي على الزاني والزانية، وألا تأخذنا الرأفة في دين الله فقال:((الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة، ولا تأخذكم بهما رأفة دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين)).
ولم يتساهل الشارع المقدس في الحكم على المتهم في الزنى، بل تشدد لتوثق من ثبوت هذا الحد كل التشدد، لأن الجرم عظيم بنظر الشارع والناس، وهو يلحق بالشخص أضراراً بالغة في السلامة والكرامة، لذلك ترى الشارع قد اشترط في الشهادة أربعة رجال، أو ثلاثة رجال وامرأتان، بينما اكتفى بإثبات الدعوى برجلين فيلزم لكل واحد منهما رجلان. وقد اشترط بالإضافة إلى هذا العدد أن يشهد الشهود الأربعة العدول على كل خافية، وأن يتحدوا جميعاً بالزمان والمكان وسائر الخصوصيات، وأن يأتوا جميعاً لأداء شهادة، فلو اختلفوا في الشهادة، أو شهد أقل من الأربعة انتفى الحد عن المتهم، وانتقلت العقوبة إلى الشهود; للإفتراء وظهور الغرض، قال تعالى: ((والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً، وأولئك هم الفاسقون)).
وفي الحقيقة إن العقاب توجه إلى الشهود من ناحيتين: التأديبية: وهي الجلد، والمعنوية: وهي عدم قبول شهادتهم بصورة دائمية لأنهم قوم فاسقون، وفي ذلك إسقاط لحقوقهم المعنوية طيلة الحياة ((إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم)).
ولا شك أن هذا النحو من العقوبة تمنع شهادة الزور وتوقف الكاذب موقف الخائف المتردد من الإقدام على الافتراء، ورمي المحصنات، ثم إن الحد إنما يتوجه على الزاني إذا حصل هذا الاتصال الجنسي بدون عقد، ولا شبه عقد وملك على أن يكون الزاني بالغاً، مختاراً، عاقلاً، عالماً بتحريم الزنى، ويثبت الزنى بالإقرار مرة على أكثرالمذاهب الأربعة، أم الفقه الجعفري فإنه يشترط الإقرار أربع مرات، لأن الإمامية ترى أنه لو أقر بما يوجب الرجم ثم أنكر سقط، ولكنه لو كان بحد لم يسقط، ولو أقر ثم تاب، يخير الإمام، ولو تاب بعد البينة تحتمت الإقامة، ولو كان قبلها سقط الحد(1).