/ صفحه 330/
وهناك أمور يجريها القاضي مع المتخاصمين قبل البدء بالمحاكمة، حسب ماذكرها الفقهاء، وذلك: ((بأن يطلب منهما الكلام إذا سكتا، أو أن يقول لها إن كنتما حضرتما لشىء فاذكراه، فإذا بدر أحد الخصمين سمع منه، ولو قطع عليه غريمه منعه حتى تنتهى دعواه وحكومته، ولو ابتدر الدعوى سمع من الذي عن يمين صاحبه(1)، وإن اجتمع خصوم كتب أسماء المدعين، واستدعى من يخرج اسمه. ولا شك أن هذه العناية بشعور المتخاصمين تفرض عليهما التأدب في المجلس والحوار، وتشعرهما بعظمة العدل السائد في ((مجلس القضاء)).

سلطة القضاء:
ولعلنا بهذه النظرة الإجمالية التي ألقيناها على كتب الفقه في تعريف القاضي نتوصل إلى سلطته القضائية التي منحها الإسلام له، فإن شخصية هذه منزلتها في العلم والورع جديرة بأن تمد بسلطات واسعة تتناسب وهذا المقام الرفيع.
إن الفقه الجعفري صريح بأن كل من تسلح بسلاحي الاجتهاد والورع منصوب ن قبل الإمام لحل الخصومات بأحكام عادلة حاسمة، وذلك بالنظر للحديث المتقدم المروي عن الإمام ((الصادق))(عليه السلام) الذي يقول فيه: ((انظروا إلى من كان منكم قد روى حديثنا، ونظر في حلالنا وحرامنا، وعرف أحكامنا، فارضوا به حكما، فإني قد جعلته عليكم حاكما)) والصادق(عليه السلام) كماترى لم يرجع أتباعه إلى واحد معين من أصحابه، وفهيم مئات المجتهدين الورعين، بل ذكر لهم الصفات العامة التي لا تتقيد بزمان، أو مكان، لتنطبق على كل فقيه كان مصداقا لهذه الصفات.
ونستفيد من الرواية أن الإمام ((الصادق)) سلام الله عليه نص على نصب كل من اتصف بما ذكره من الصفات للقضاء والفتوى معاً، فالقاضي ينهى في مجلسه الخصومات، ويحل في فتواه المشكلات، كما هو ظاهر من قوله: ((ونظر في حلالنا وحرامنا، وعرف أحكامنا)) لأن هذا النظر العلمي يلقيه الفقيه في الفتوى والقضاء

ــــــــــ
(1) هذه التعاليم والإذاب مسلمة لدى الفقهاء في كافة المذاهب الإسلامية الخمسة، إلا ما يخص السماع من الذين عن يمين صاحبه، فإنه خاص في كتب الإمامية.