/ صفحه 329/
إنه يملك على القادم عقله وشعوره لأول لحظة، فيد القادم تمتد على الباب فلا يجد حاجبا يمنعه من الدخول، لأن الأسلام منع وقوف حاجب على الباب حين قيام المرافعة، فيستشعر من ذلك أن القاضي لا يحجبه حاجب عن الناس، وعن سماع شكوى المظلوم.
ويفهم من هذا الخلق الرفيع أن صدر القاضي مفتوح أمامه، يضمه إليه، وينتزع له الحق من يد غاصبه بعد قيام البينة على إثبات حقه المسلوب.
وإذا استقر المجلس بالخصمين علما أن الإسلام أوجب على القاضي قبل البدء بالمحاكمة التسوية بينهما في السلام، والكلام، والمكان، والنظر، والإنصات، والعدل في الحكم، نعم لو كان أحد الخصمين كافراً جاز أن يكون الكافر قائما، والمسلم ـ بالنظر لإسلامه ـ قاعداً أو على منزلة.
وعندئذ تملاء العدالة الإسلامية قلب المتخاصمين بالخشوع والخضوع لعظمة الحق في الإسلام المتجلية بعدالة القاضي التي يوزعها على السواء بحركاته، وسكناته، وإشاراته، ونطراته، وأحكامه العادلة.
وإذا كان القاضي لا يحيد عن التسوية حتى في السلام والنظر، فكيف إذن يفرط بالحق المنتظر؟ إن هذا الشعور بالحق القائم في نفس القاضي، والمسيطر على نفس كل من الخصمين، هو الذي يشيع الحق في ((مجلس القضاء)) فيوحي إلى القاضي بالعدل وإلى الخصمين بالخضوع، وإلى المستمعين بالإعجاب والإكبار.
ونجد الإسلام يحرص على أن يكون القاضي في ((مجلس قضائه)) هادىء النفس، مستجمع الفكر، متجهاً بلكه إلى سماع دعوى المتخاصمين، لا يشغله عن القيام بهذا الواجب شاغل، لذلك يمنع الإسلام القاضي ـ على سبيل الكراهية ـ أن يقضي مع مايشغل النفس كالغضب، والجوع، والعطش، والغم، والفرح، والمرض وغلبة النعاس، لأن ذلك قد يفوت عليه شيئاً من شؤون الدعوى، فلا يصيب الهدف، فيقصر في إحقاق الحق، والقاضي العادل أرفع من أن يشغله شاغل عن أداء الواجب فتزل به القدم.