/ صفحه 328/
وقد وضع أئمة أهل البيت(عليهم السلام) قاعدة عامة للمسلمين تعرفهم بالقاضي العادل الفقيه الذي يرجع إليه في حل مشاكلهم، فقال الإمام ((الصادق)) (عليه السلام) لعمر بن حنظلة: ((انظروا إلى من كان منكم قد روى حديثنا، ونظر في حلالنا وحرامنا، وعرف أحكامنا، فارضوا به حكما، فإني قد جعلته عليكم حاكما، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبله منه سخص فإنما بحكم الله استخف، وعلينا رد، والراد علينا الراد على الله وهو على حد الشرك)) وهذا الحد جامع مانع، يوضح لنا شحص القاضي الكفء الجدير بتحمل أعباء القضاء والحكم، وهو صريح بلزوم الاجتهاد، كما يظهر من قوله: ((نظر في حلالنا وحرامنا، وعرف أحكامنا)) لأن النظرة المقصودة هي النظرة الدقيقة التي توصل القاضي إلى معرفة الأحكام، وهي نظرة مبنية على الدليل الموصل إلى استنباط الأحكام الشرعية عن أدلتها التفصيلية، وهذه الملكة لا تكون إلا للمجتهد المطلق.
ولم يتعرض ـ سلام الله عليه ـ للعدالة; لأنها من الوضوح بمكان لاتحتاج إلى بيان. وكيف يكون حكمه حكم الله وهو لا يتصف بالعدالة؟ ومع ذلك فإن هذا الحديث بوضحه حديث آخر صريح باشتراط الاجتهاد والعدالة معا، فقد قال الإمام ((الصادق))(عليه السلام): ((اتقوا الحكومة، إنما هي للعالم بالقضاء، العادل بين المسلمين)).
وهذا صريح بأن الحاكم يجب أن يكون جامعاً لشرائط الحكم من علم وعدالة، ولا يجوز لمن فد هاتين الفضيلتين أن يرتقي منصة الحكم بين الناس، كما هو صريح منطوق أداة الحصر.
مجلس القضاء:
تولى الحكومات في كل عصر عنايتها الكبيرة في منظر القاضي، وفي مظهر مجالس القضاء، ليكون للقضاء الهيبة والسيطرة على نفس كل مقبل على حاكم، أو قادم إلى ساحة محكمة، فما نصيب القاضي من هذه المظاهر الخلابة في الإسلام؟.
إن الإسلام لا يعني بشىء من هذه المظاهر، لأنه يوجه اهتمامه وجهوده إلى ما هو أقرب إلى الحق، وأدنى إلى حاجة المترافعين.