/ صفحه 327/
خامساً: العدالة كي لا ينحرف القاضي فيميل إلى أحد الخصمين، والعدالة تكسو القضاء هيبة ومنعة، وتبعث في النفوس الطمأنينة والثقة، فيقبل الخصمان على حكمه بالرضاء والخضوع لصدوره عن حاكم عادل.
سادساً: الاجتهاد، وقد أوجب شرطه الإمامية والشافعية، وقد جعل الإمام أبو حنيفة الاجتهاد فيه من الصفات المستحبة.
سابعاً: أن يكون حافظاً يغلب حفظه على نسيانه، لأن ضعف الذاكرة قد ينسيه أموراً تعود للمرافعة، فصدر الحكم بدون مدرك صحيح.
وقد اشترط بعض الفقهاء ـ بالإضافة إلى ماتقدم ـ الحرية، والكتابة، والبصر، ولم يروا الصمم مانعاً منه، ولا سيما إذا حدث بعد تولى القضاء.
أما الحرية فهي رأي كثير من أعلام ((المذاهب الخمسة)) لأنهم يرون ((أن ولاية العبد ليس محلا لها; لاشتغاله عنها باستغراق وقته لحقوق مولاه، ولأن منصب القضاء من المناصب الجليلة التي لا تليق بحال العبيد)).
ويمكن أن يقال بأنا نسلم عدم أهليته للولاية مع إذن السيد له، كما أن المناط في الفضاء العلم وهو حاصل، فترتفع بذلك درجته ومنزلته.
وأما الكتابة فلا ترجح اشتراطها; لإمكان الاعتماد على كاتب ثقة يقوم بضبط المرافعة، كما هو المألوف في المحاكم اليوم.
وأما اشتراط البصر فهو وإن كان أفضل، ولكن هذا الشرط غير واجب أيضا، إذ بإمكان القاضي الأعمى أن يعتمد على رجل عارف عادل يحضر مجلس القضاء، ويطلعه على الخصوميات التي تخفى عليه بواسطة فقد البصر.
هذا هو القاضي بنظر الفقهاء، ولا شك أن هذه الشروط التي وضعها العلماء أساساً في بناء صرح القضاء لم تكن آراء بغير مستند، بل كانت مستندة من نصوص الأحاديث الكريمة التي أنارت الطريق للفقيه في معرفة ((القاضي)) العادل.
وقد حذر الرسول العظيم(صلى الله عليه وآله وسلم) ـ وكذلك العترة الطاهرة ـ الأمة من الرجوع إلى القضاة ممن ليس لهم علمٌ يركن إلى دليل، ولا ورعٌ يعصم من باطل.