/ صفحه 322/
والتعبير بالأسماء هنا شبيه أو قريب من التعبير بالأسماء في قصة آدم، حيى يقول الله عز وجل: ((وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين)) فليس المراد هناك ما تبادر إلى أذهان كثير من المفسرين من أنه علمه اسم كل شىء حتى القصعة وكذا وكذا... ولكن المراد ـ والله أعلم ـ أنه علم آدم، أي علم الإنسان وركز في طبعه ومواهبه وسائل التعرف للحقائق واكتناه الأشياء والمعارف والخواص، وهذا ما ميزه به عل الملائكة الذين لم يهبهم هذه الموهبة، ولم يطبعهم على ماطبع عليه الإنسان منها، وقوله تعالى: ((وعلم آدم)) معناه: وكان علم آدم، أي طبعه وفطره على طبع وفطرة تجعله عالما بالأسماء كلها، ولا يصح أن نفهم أنه علمه الأسماء، أي ألقاب الأشياء بعد مناقشة الملائكة، لأنه حينئذ بمثابة أن يعترض عليك أحد في تفضيل فلان عليه فتريد أن تبرهن له على أن فلانا هذا خير منه; فتعلمه بشىء لا تعلمه المعترض، فإن له ولكل عاقل أن أن يقول لك: أنت علمته ولم تعلمني، ولو علمتني مثله لكنت مثله، أو يقول: إنني وإياه متساويان، ولكنك منحته علماً لم تمحني إياه، وجددت له هذا العلم حين سألتك عن سر تفضيله، وهذا لا يعطيه مزية وأفضلية من دوني.
هذه خلاصة الفكرة عن الأسماء في قصة آدم، وهي تقرب من الأسماء بمعنى المعاني، فالله وصف نفسه بأن له الأسماء الحسنى، أي جميع المعاني الفاضلة الخيرة، التي لا يرقي إليها من سواه; لأن الحسنى مؤنث الأحسن، فكأنه قال: ما من صفة من الصفات الحسنة إلا وهي في الله تعالى، وصادرة منه، وهو ينبوعها الأول، وهي فيه جل شأنه على الوجه الأكمل والأحسن، لا يشاركه في ذلك مشارك.
وبهذا التفسير نعلم أن الأحاديث ليس لها غرض في الحصر والعدد، وإنما تريد بيان الكثرة على حد ((سبعين مرة)) أو ((سبعة وسبعين)) إلى غير ذلك مما جاء على مألوف العرب في إفادة الكثير بالسبعين والتسعين... الخ.