/ صفحه 320/
هذا المسلك الصوفي مسلك حسن غير شك، ولكنه في نظري ليس أحسن المسالك، وإنما يجتلي المؤمن عظمة ربه كاملة إذا شغل نفسه بمظاهر صفات الله كلها وتقلب بفكره فيها; فيتأكل مظاهر الرحمة والنعمة، ويتأمل مظاهر البأس والنقمة، ويتأمل مظاهر العلم ومظاهر الحكمة، ويتأمل مظاهر العدل ومظاهر الجبروت. وهكذا.
وقد يدلنا على هذا المعنى أن القرآن الكريم حين يذكر صفا الله تعاى يذكرها غالباً متتابعة دون عطف بحرف، فيقول: ((إن الله عزيز حكيم))، ((إن الله غفور رحيم))، ((والله عليم حكيم)). وأظهر مثال لذلك هو ما جاء في آخر سورة الحشر حيث يذكر الله تعالى مجموعة من أسمائه الحسنى متتابعة مترادفة، دون تفريق بين سابق نها ولا حق، فيقول: ((هو الله الذي لا إليه إلا هو، الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون. هو الله الخالق البارىء المصور له الأسماء الحسنى، يسبح له مافي السموات والأرض وهو العزيز الحكيم)).
4 ـ فأخذ الأمور على وجه من الجانبية هو الذي جعل هؤلاء الناقدين ينظرون إلى أن الإسلام يصف الإله بالأوصاف المخيفة، ويغفلون أو يتغافلون عن الأوصاف الأخرى أو الأسماء الأخرى، ومن واجبهم أن يعلموا أن الكمال المطلق يقتضي أن يتصف الكامل بجميع الصفات الحسنى، وإلا لكان ناقصا في جانب كاملا في جانب، فنحن إذا علمنا أن فلانا من الناس شجاع، ولم نعلم بغير هذه الصفة فيه، فإننا ربما تصورناه مهيبا مفزعا مخيفا، ولكن إذا علمنا أن هذا الشجاع يتصف بأوصاف أخرى مثل: الجود والرحمة والعلم والحلمة فإن قيمته تزداد في نظرنا، ونطمئن إلى أن شجاعته ليست من النوع الخطر، على معنى التهور مثلا، وكذلك لو علمنا أن فلانا من الناس رحيم القلب، ولم نعلم بغير ذلك من صفاته فربما تصورناه لشدة رحمته متراخيا أو ضعيفا عن غيره، أو طمعنا في رحمته فلم نخف من سطوته، ولكننا لو علمناه مع الرحمة قويا شديد البأس في موضع البأس، ازداد تقديرنا له، وازددنا علما بجوانبه، وإدراكا لمجموعة صفاته التي بها يتميز عن غيره.