/ صفحه 302/
قال: إليك مسألة أن السموات والأرض كانتا رتقا... أفتحسبها كانت غير مفهومة قبل نظرية السدم، بمعنى أن محمداً(صلى الله عليه وآله وسلم) وأصحابه رضي الله عنهم كانوا يتلونها ولا دلالة لها عندهم؟ لا أعتقد أن عاقلا يقول هذا، ارجع إلى أقوال المفسرين القدماء، فإنك واجد فيها ما يرضيك، على أنه لا يناقض نظرية السدم إن صحت، فأما أنا فإن نهجي أن أفسر القرآن بالقرآن، ولقد حدثنا جل جلاله عن ((السماء ذات الرجع)) ـ ترجع بالغيث ـ ((والأرض ذات الصدع)) ـ تنشق عما تخرج من نبات وشجر ـ وقبل أن تصبحا كذلك كانتا رتقا ـ والرتق غير الفتق ـ أي جامدتين غير منفتقين، فلا الأرض ذات صدم، ولا السماء ذات رجع، كيف كانت صورتهما حينذاك؟ إنه لا مانع من أن تكونا كانتا أو كان العالم كله كلا واحداً ثم تقسم وتعدد، والنص الكريم لا يأبي هذا بل يحتمله في غير حتم، إن النظريات والافتراضات، بل القوانين كلها نسبية، وقد يقال لك فيما بعد قولا علمياً: إن العوالم نشات متعددة، فالأرض مثلا، أبدعت مستقلة، ولم تنفصل لا هي ولا غيرها من الشمس.. إذا ثبت هذا فإن الحقيقة القرآنية هي لم يزدها العلم ولم ينقصها شيئا.
قلت: هل تريدون أن تقولوا إنه لا إعجاز عملياً في القرآن.
قال: بل أقول الحقائق القرآنية لا يجوز أن توصف بأنها نسبية: لأنها حقائق مطلقة أزلية أبدية، والعلماء يقررون أن الحقائق العلمية نسبية احتمالية، بل لقد قالوا أن كهارب الذرة ـ وهي ذات مدارات معنية ـ قد يغير بعضها مداره دون سبب، يعتريه ما يشبه أن يكون نزوة أو جنونا، أو لعله إنما يفعل ذلك لأسباب يجهلها العلم، إنها تفصيلات لا تعنينا من حيث ما نحن بصدده، وإنما يعنينا شىء واحد هو أن أحكام العلم أو قوانينه لا تحكم كتاب الله، لا لأن القرآن يجافي الحقيقة العلمية، بل لأن الحقيقة العلمية قد تكون غير الحقيقة الواقعة، أو بعبارة أوضح قد تكون وهما علمياً يسيطر بضع سنين أو بضعة قرون ثم يزول، هذا على أني ـ بوصف كوني مؤمناً بالقرآن ـ أستطيع أن أرتفع بالقانون العلمي إلى مرتبة الإطلاق أو الحتمية إن جاء مطابقاً لحقيقة قرآنية، فإذا قال العلم: الماء أصل حياة كل الأحياء قلت هذا حق مطلق، لأنه جل جلاله يقول: ((وجعلنا من الماء كل شىء حي)).