/ صفحه 300/
وإنما هي ظاهرة اجتماعية كغيرها من اللغات طوى الله أصول اشتقاقها الأولى في بطن الغيب، فلسنا بمستطيعين كما لا يستطيع أصحاب اللغات الأوربية أن نرد ألفاظ لغتنا إلى حيث ولدت، لقد تسلمها أصحابها الجاهليون أداة تامة لا يدرون، وبالتالي لا يدري من جاء بعدهم: كيف تم تمامها، إنها أداة تامة وهم قد مرنوا عليها ومهروا فلم يعد يعنيهم أو يعجزهم أن يستعملوها على هذا الوجه أو ذاك من وجوه استعمالها، لقد استنفذوا تطبيق منطقها فلم تبق صورة من صوره خارج دائرة مقولهم المثور والمنظور، ولكن القرآنن يبغتهم بصورة من صور البيان لم يستخدم فيها غير تلك الأداة التي هي أداتهم الفطرية، فتعجزهم الصورة أن يأتوا بمثلها، لقد أدركوا فطرة كما كانوا يتكلمون فطرة أنهم عاجزون أن يأتوا بسورة من مثله، فأما أنا وأنت وضمير الغائب فلن ندرك مدركهم هذا الفطري، بيد أننا بدراسة آثارهم ومعرفتها المعرفة التي يتطلبها العلم الحق، قد يتهيأ لنا على نحو من الأنحاء كف أعجزهم، إن الإعجاز واقعة ناريخية محققة، أما كيف كان ذلك فتلك هي المسألة.
قلت: يقولون الآن: إن الإعجاز اللغوي قد انصرم عصره، ونحن في عصر العلم، فمنظق الأشياء يقتضينا أن نبذل غاية الجهد في تبيان الإعجاز العلمي للقرآن، هذا الإعجاز الذي يمكن أن يوجه إليه النظر سواء باللغة العربية أو غيرها من اللغا، فإذا نحن بينا ـ مثلا ـ أن قوله تعالى: ((أولم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما)) يعني ذلك الطور السحيق في القدم حين كانت ((المجرة)) كلا وحدا دخانيا، وما يزال الدخان ـ أو الغاز ـ يتركز في بعض أجزاء المجرة فتتكون منه الشموس، ثم تنفصل منها الأرضون والأقمار، أو كما قال:
((كانتا رتقا ففتقناهما)).