/ صفحه 299/
يعني أن حمار الوحش منع الأتن أن ترد الماء ـ خوفا من القناص ـ حتى أجهدها العطش، وكاد يجف شحمها، أو كاد لا يبقى لهن شحوم، وهو محل الشاهد: توسط لا بين كاد وبين الفعل المضارع بعدها، فلنعد إلى ماكنا فيه: الشعب الذي عند سلع وما تشعب منه، أفحق أن اشعر مصنوع؟ وإذا لم يكنه أفقائله ابن أخت تأبط شرا يرثي خاله أم هو تأبط شرا؟ وإذا قام الدليل على هذا فمؤداه أن أم تأبط شرا أخت الشنفري، إنك لو حققت كل ذلك...
قلت: أتعبت نفسي والناس في غير طائل، فلسنا بصدد بحث يتصل بحياة ((ترومان)) أو ((أزنهاور)) أو ((كنيدي)) مثلا فيكون له ذكر أو قدر عند بني آدم.
قال: على رسلك، فإن هي إلا سنوات وسوف ينسى بنو آدم هؤلاء الذين ذكرت وأمثالهم في حين يبقى السائلون والمتحدثون عن تأبط شراً والشنفري والشماخ ما بقي الكتاب أو الذكر الذي أكد مالك الملك ذو الجلال والإكرام أنه حافظه على كر الليالي والأيام.
قلت: وعد الله لا يخلف الله وعده لا ريب في ذلك ولا شبهة، ولقد حفظ الكتاب المبين، وننه لحافظه أبد الآبدين ودهر الداهرين بشيرا ونذيراً، ولو أن كثيراً من الناس لا يعلمون، فما العلاقة بين كلام رب العالمين وبين تصعلك المتصعلكين وشعر الجاهليين والمخضرمين؟.
قال: اللغة… وهل ثم علاقة أو ثق وأمنع؟ إن هؤلاء المتصعلكين والشعراء الجاهليين والمخضرمين لهم الخالدون، وإن غيرهم ممن يلمعون أو يبرقون أياما أو سنين لذاهبون بائدون، إنك لن تتصور إعجاز الكتاب المبين إلا أن تكون صاحب قدم أو فارسا معلما في ميدان الشعر القديم، فاللغة العربية، أو بعبارة أوضح وأصح اللغة القرآنية كانت ظاهرة اجتماعية فريدة في نوعها، فلقد نشأت ثم قضت أطار طفولتها وصباها، ثم اكتمت واستقرت على قواعدها الفطرية التي استنبطها العلماء فيما بعد فأصبحت قواعد نحوية وصرفية وبلاغية وفلسفية ـ أعنى فلسفة اللغة نفسها ـ فشهد أولئك العلماء حين نظروا فيها، عجبا من العجب هو ذلك المنطق اللغوي الغريزي الذي بلغ من دقة الصنع ـ صنع الله ـ مبلغا حمل بعضهم على الاعتقاد بأن اللغة العربية ذات أصل توقيفي، فليس بمعقول عندهم أن تتكون تلك الأحكام اللغوية المعجزة في تاريخ اللغات تكوناً تلقائياً، بل لا بد أن يكون سبحانه وتعالى قد وقف الوقم عليها توقيقا، وحمل بعضا آخر على الاعتقاد بأن العرب كان لهم في الجاهلية ضرب من ضروب الدراسة العلمية للغتهم هذه التي نزل بها القرآن بعد أن تم تمامها العلمي، ولا إخالك إلا معي في أن كلا القولين غير مقبول، فلا توقيف بالمعنى الذي يريدون، ولا دراسة علمية كما يقولون،