/ صفحه 277/
الكبر والعُجْب:
هما طبيعتان تنبثقان من نبع واحد، لذلك يشتبه معناهما على كثير من الناس. والحقيقة: أن بينهما فرقاً كبيراً ـ وإن كان خفيا ـ مرجعه إلى الباعث النفسي. فالكبر: أساسه الاعتقاد ((بالمنزلة)) والعُجب: أساسه الاعتقاد ((بالفضيلة)). يعتقد المتكبر أنه عالي المكانة، سني القيمة، رفيع القدر! فمن حقه أن يتشامخ على الناس، ويزريهم، لأنه يراهم دونه في المقام، ويتبع ذلك: أنه يترفع عن رتبة المتعلمين،، وإن عرف في نفسه الجهل، ولهذا قيل: ضاع العلم بين الحياء والكبر. والمعجب: يعتقد أنه متميز بصفات نفيسة، ومواهب معنوية، ويتبع ذلك: أنه يُحِل فضله عن استزادة المتأدبين، لأنه في غني عنهم غني ذاتيا، ولكن هذا الخلق لا يمنعه أن يألف الناس، ويحسن عشرتهم، كما لا يمنعهم أن يحبوه ويخالطوه ـ وإن ثقل عليهم حينا ـ لأنه لا يحتقرهم كما يحتقرهم المتكبر.
ولكل من هاتين الخلتين ثمرة مرة كريهة، فثمرة الكبر: المقت والبغض، فلن ترى أبدا متكبراً قريباً من النفوس، حبيباً إلى القلوب، وحسبك أن الكبر لم يذكر في القرآن الكريم إلا مقرونا بالشرك. وثمرة العجب: الخيبة والعصب، لأن المعجب لا يستشير غير نفسه، ولا يعمل برأي سواه; لاعتقاده أنهه فوق الناس، و ((من استبد برأيه هلك)) و ((لا خاب من استخار، ولا ندم من استشار)).
السبب العلة:
قال أبو حيان: كأن التعليل والسبب عندهم شىء واحد. قال السيوطي: وهذا هو الحق. وفي شرح جمع الجوامع للمحلي: المعبر عنه هنا بالسبب، هو المعبر عنه في القياس بالعلة. وخالفهم ابن السبكي في الأشباه والنظائر، فقال: إن الفرق بينهما ثابت لغة ونحوا وشرعا. قال اللغويون: السبب: كل شىء يتوصل به يدور معناها على أن العلة: أمر يكون عنه أمر آخر. وذكر النحاة: أن اللام للتعليل، ولم يقولوا: للسببية. وقال أكثرهم: الباء للسببية، ولم يقولوا: للتعليل. وذكر ابن مالك: السببية والتعليل، وهذا تصريح بأنهما: غيران. وقال أهل الشرع: السبب: مايحصل الشيء عنده لابه، والعلة. مايحصل به، وأنشد ابن السمعاني على ذلك: