/ صفحه 276/
الحزن والغضب:
في محاضرات الراغب: سئل ابن عباس عن الحزن والغضب، فقال: أصلاهما واحد، وذلك: وقوع الأمر على خلاف المحبة. فأما فرعاهما فمختلفان، فالمكروه ممن فوقك يُنتج حزنا، والمكروه من دونك يُنتج غضبا، قال المتنبي:
وحزنُ كلِّ أخي حزنِ هو الغضب.
المداهنة والمداراة:
في سراج الملوك للطرطوشي: المداهنة: أن توافق الناس على أمر يَثلِم الدين، ويقدَح في المروءة. وهي خلق يدل على رقة الإيمان، وضعف النفس، وسوء التربية، وقد عمّت بها البلوى، وأصبحت دستور الناس في هذا الزمن، وأحسبها علة العلل في انحطاط الشرق وتدهور شعوبه، قال تعالى في التحذير منها: ((وداوا لو تُدهن فيُدهنون)).
أما المداراة: فهي أن توافق الناس على وجه يسلم معه دينك وشرفك، فتأمن شرورهم، وتظفر بمحبتهم، دون أن تُميت حقا، أو تُحيي باطلا. وهي أصل من أصول الاجتماع، ففي الحديث الشريف: ((رأس العقل بعد الإيمان بالله ـ عز وجل ـ التودُّد إلى الناس، وأُمِرت بمداراة الناس، كما أمرت بأداء الفرائض، لو تكاشفتم ما تدافنتم)) أي لو كاشف الناس بعضهم بعضا بما يضمرونه من العداوة والبغضاء، ما شيعوا جنائرهم إلى مقابرهم. فالفرق بينهما ـ كماترى ـ دقيق جداً، يحتاج إلى إعمال الفكر، وتعمق النظر، وشدة التحري، ولهذا قيل: إذا سقِمت المداراة، استحالت إلى مداهنة. أقول: وقد اختلط الأمر على أكثر الناس، فتراهم يداهنون وهم يظنون أنهم يدارون، وشتان بينهما، فالمداهنة منتهى عنها، والمداداة مأمور بها، ومن دارى سلم، ومن داهن أثم، كما قيل: ومن أمثال المداراة أن بعض زعماء العباسيين سأل رجلا عن رأيه في السواد ـ شعار الدولة العباسية ـ فقال: وهل النور إلا في السواد. أراد نور العين في سوادها. فأرضى السائل ولم يكذب. ومثله قول شريح وقد خرج من عند عبدالملك بن مروان في ساعة احتضاره فسئل عن حاله ـ: تركته يأمر وينهى. فلما فُحِص عن ذلك عُرف أنه أراد: يأمر بالوصية، وينهى عن النِّوح.