/ صفحه 274/
من لقلب متيم مستهام * * * غير ما صبوة ولا أحلام
فلما أتى على آخرها قال له علي: ثوابك نعجز عنه، ولكن إن عجزنا عنه فإن الله لا يعجز عن مكافأتك: اللهم اغفر للكميت! اللهم اغفر للكميت! ثم قسط له على نفسه وعلى أهله أربعمائة ألف درهم وقال له: خذ يا أبا المستهلّ، فقال له: لو وصلتني بدانق لكان شرفا لي، ولكن إن أحببت أن تحسن إلى، فادفع لي بعض ثيابك التي تلي جسمك أتبرك بها! فقام علي فنزع ثيابه ودفعها إليه كلها، ثم قال: اللهم إن الكميت جادَ في آل رسولك وذرية نبيك بنفسه حين ضنّ الناس، وأظهر ماكتمه غيره من الحق، فأحيه سعيدا، وأمته شهيدا، وأره الجزاء عاجلا، وأجزل له المثوبة آجلا، فإنا قد عجزنا عن مكافأته، قال الكميت: فما زلت أعرف بركة دعائه. وحدث محمد بن سهل قال: دخلت مع الكميت على جعفر الصادق(عليه السلام)في أيام التشريق، فقال الكميت: جُعلت فداك، ألا أنشدك؟! قال: إنها أيام عظام، قال: إنها فيكم، قال: هات، فأنشده قصيدته التي أولها:
ألا هل عم فى رأيه متأمل * * * وهل مدبر بعد الإساءة مقبل
الى أن قال:
كلام النبيين الهداة كلامنا * * * وأفعال أهل الجاهلية نفعل رضينا بدنيا لا نريد فراقها * * * على أننا فيها نموت ونقتل
ونحن بها مستمسكون كأنها * * * لنا جُنة مما نخاف ومَعقِل فكثر البكاء وارتفعت الأصوات، فلما مر على قوله في الحسين(عليه السلام) كأن حسيناً والبهاليل حوله * * * لأسيافهم ما يختلي المتبقِّل
وغاب نبي الله عنهم، وفقده * * * على الناس رزء ما هناك مُجلِّل
فلم أر مخذولا أجل مصيبة * * * وأوجب منه نصرة حين يُخذَل
فرفع جعفر الصادق يديه وقال: اللهم اغفر للمكيت ماقدم وماأخر، وماأسر وماأعلن، وأعطه حتى يرضى. ثم أعطاه جعفر ألف دينار وكسوة، فقال الكميت: والله ما أحببتكم للدنيا، ولو أردتها لأتيت من هي في هديه، ولكنني أحببتكم للآخرة، فأما الثياب التي أصابت أجسادكم فإني أقبلها لبركتها، وأما المال فلا أقبله.