/ صفحه 273/
وقد قال له: بأي شىء تأكل الخبز؟ فقال: أذكر العافية فأجعلها إداما!. ومن كلامه: عقوبة العالم في الدنيا أن يعمي بصر قلبه، من طلب الدنيا فليتهيأ للذل. وكان يقول لأصحاب الحديث: أدوا زكاة هذا الحديث. قالوا: وما زكاته؟ قال: اعملوا من كل مائتي حديث بخمسة أحاديث. وقد روي عنه السري السقطي وجماعة من الصالحين، وقد كانت له ثلاث أخوات: مُضغة. ومُخة، وزُبدة، وكن زاهدات عابدات ورعات، وكانت مضغة أكبرهن وقد ماتت قبله، فحزن عليها حزنا شديدا وبكاها بكاء كثيرا، فقيل له في ذلك. فقال: قرأت في بعض الكتب: أن العبد إذا قصر في خدمة ربه سلبه أنيسه. وهذه أختى مضغة كانت أنيسي في الدنيا.
وكان يقول: تعلمت الورع من أختي مضغة، فإنها كانت تجتهد ألا تأكل مالمخلوق فيه صُنع. ويقول عبد الله بن أحمد بن حنبل: جاءت إلى أبي امرأة، فقالت: يا أبا عبدالله، أنين المرض هل هو شكوى؟ فقال: أرجو ألا يكون شكوى، ولكن هو اشتكاء إلى الله تعالى، ثم انصرفت، فقال لي أبي: يابني، ما سمعت إنسانا قط يسأل عن مثل ما سألت عنه هذه المرأة، ابتعها. قال عبدالله: فتبعتها إلى أن دخلت دار بشر الحافي، فأخبرت أبي بذلك، فقال: هذا والله هو الصحيح، محال أن تكون هذه المرأة إلا أخت بشر الحافي. يقول عبدالله أيضا: جاءت مخة أخت بشر الحافي إلى أبي، فقالت: ياأباعبدالله، رأس مالي دانقان أشتري بهما قطنا فأغزله وأبيعه بنصف درهم; فأيفق دانقا من الجمعة إلى الجمعة. وقد حدث أن مر الطائف ليلة ومعه مشعل فاغتنمت ضوء المشعل، وغزلت طاقين في ضوئه، فعلمت أن لله سبحانه وتعالى فيّ مطالبة، فخلِّصني خلصك الله، فقال أبي: تخرجين من الدانقين، ثم تبقين بلا رأس مال حتى يعوضك الله خيرا منهما، قال عبدالله: فقلت لأبي: لو قلت لها: حتى تخرج رأس مالها، فقال: يا بني، سؤالها لا يحتمل التأويل، فمن هذه المرأة؟ قلت: مخة أخت بشر الحافي، فقال: لا عجب إذن.
شاعر بيت النبوة:
حكى صاعد مولى الكميت الأسدي قال: دخلت معه إلى علي بن الحسين (عليه السلام) فقال: إني قد مدحتك بما أرجو أن يكون لي وسيلة عند رسول الله(صلى الله عليه وسلم) ثم أنشده: