/ صفحه 269/
من لا ينصر الحسين:
حدث عبيد الله بن الحُرّ الجُعْفيّ، قال: دخل إليّ الحسين(عليه السلام) ولحيته كأنها جناح غراب، وما رأيت أحدا قط أحسن ولا أملأ للعين من الحسين! ولا رققت على أحد قط رقتي عليه حين رأيته يمشي والصبيان حوله. فقال الحسين: ما يمنعك يا ابن الحر أن تخرج معي؟ فقال ابن الحر: لو كنت كائنا من أحد الفريقين لكنت معك، ثم كنت من أشد أصحابك على عدوك. وأنا أحب أن تعفيني من الخروج معك، ولكن هذه خيل معدة لي، وأدلاء من أصحابي، وهذه فرسي ((المحلِّقة)) فاركبها; فوالله ما طلبت عليها شيئا قط إلا أدركته، ولا طلبني احد إلا فته، فاركبها حتى تلحق بمأمنك، وأنا لك بالعيالات حتى أؤديهم إليك أو أموت وأصحابي عن آخرهم، وأنا كما تعلم إذا دخلت في أمر لم يَضمْني فيه أحد. فقال الحسين: أفهذه نصيحة لنا منك يا ابن الحر؟ قال: نعم والله الذي لا فوقه شىء. فقال الحسين: إني سأنصح لك كما نصحت لي; إن استطعت ألا تسمع صراخنا، ولا تشهد وقعتنا فافعل، فوالله لا يسمع داعيتنا أحد لا ينصرنا إلاكبه في نار جهنبم.
ولما قتل الحسين(عليه السلام) رثاه ابن الحر بشعر مؤثر منه قوله:
يقول أمير غادر وابن غادر * * * ألا كنت قاتلت الشهيد ابن فاطمه(1)
فواندمي ألا أكون نصرته * * * ألا كل نفس ـ لا تُسدِّد ـ نادمه
وإني ـ لأني لم أكن من حماته ـ * * * لذو حسرة ما إن تفارق لازمه
سقى الله أرواح الذين تآزروا * * * على نصره سُقيا من الغيث دائمه

ــــــــــ
(1) يريد بالأمير: عبيد الله بن زياد قبحه الله.

وقفت على أجداثهم ومجالهم * * * فكاد الحشا ينقض والعين ساجمه
أتقتلهم ظلما وترجو ودادنا * * * فدع خطة ليست لنا بملائه
لعمري لقد راغمتمونا بقتلهم * * * فكم ناقم منا عليكم وناقمه
أهُمّ مرارا أن أسير بجحفل * * * إلى فئة زاغت عن الحق ظالمه