/ صفحه 268/
أحسن مواربة:
أعطى رسول الله(صلى الله عليه وسلم) المؤلفة قلوبهم بعد غزوة حنين كل واحد مائة بعير، وأعطى عباس بن مرداس أباعر فسخطها، وقال يعاتب الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ بقصيدته المشهورة التي أولها:
أتجعل نهبي ونهب العُبَيْد * * * بين عَيَيْنَةوالأقرع(1)
وما كان حِصن ولا حابس * * * يفوقان مِرداس في مجمع
فقال ـ عليه الصلاة والسلام ـ لعلي(عليه السلام): يا علي، اقطع لسانه. فقبض علي يده وخرج به، فقال: أقاطع أنت لساني ياأبا الحسن؟ فقال: إني لممض فيك ماأمرت! ثم مضى به إلى إبل الصدقة، فقال: خذ ماأحببت.
قال ابن أبي الإصبع: وقول علي(عليه السلام) أحسن مواربة سمعتها في كلام العرب. ولما وفدت ليلى الأخيلية على الحجاج وسمع شعرها وحديثها، قال لبعض غلمانه: اذهب إلى فلان، فقل له: اقطع لسانها، فذهب بها، فقال له: يقول لك الأمير: اقطع لسانها، فماكان منه إلا أن أمر بإحضار الحجام! فالتفتت ليلى إليه فقالت: ثكلتك أمك! أما سمعت ماقال؟ إنما أمرك أن تقطع لساني بالصلة. فبعث الرجل إلى الحجاة يستثبته، فاستشاط الحجاج غضبا وقال: ارددها، فلما دخلت عليه قالت: كاد وأمانة الله يقطع مقولى.

يحب الصوفية:
كان نظام الملك كثير الإنعام على الصوفية، فسئل عن سبب ذلك، فقال: أتاني صوفي وأنا في خدمة بعض الأمراء، فوعظني وقال: اخدم من تنفعك خدمته، ولا تشتغل بمن تأكله الكلاب غدا. قال نظام الملك: فلم أعلم معنى قوله! وحدّث أن شرب الأمير الذي كنت أخدمه من الغد إلى الليل، وكانت له كلاب كالسباع تفترس الغرباء بالليل، فغلبه السكر فخرج وحده، فلم تعرفه الكلاب فمزقته.

ــــــــــ
(1) العبيد بالتصغير: اسم فرسه.

فعلمت أن الرجل كوشف بذلك، فأنا الآن أخدم الصوفية لعلي أظفر بمثل ذلك.