/ صفحه 246/
((يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله)) والطاعة هي العنصر المحقق لفائدة التشريع وهي العنوان الصادق على الإيمان الحق، والإيمان الذي يفقد عنوان العمل تعوزه الحجة والبرها، وهو بعد عرضة للضعف والزوال، ويقرب بصاحبه إلى الكفر النفاق، ومن هنا جاء النهي عن الإعراض والتولي مؤكداً للأمر بالطاعة ((ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون)) وأشعروا بأن عدم امتثالهم وإن كانوا في واقعهم مؤمنين يجعلهم في النتيجة العملية كهؤلاء الذين خلت قلوبهم من نور الحق، وقالوا سمعنا وهم لا يسمعون; فهاهم أولاء الكفار يقول الله فيهم: ((ومنهم من يستمع إليك وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفيك آذانهم وقرا)) وهاهم أولاء المنافقون يقول الله فيهم: ((ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ما ذا قال آنفاً، أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم)). ثم تزيدهم الآيات تنفيرا من أن يكون سماعهم كسماع هؤلاء الجاحدين; بأن هؤلاء كانوا في حكم الله وتقديره ـ بوضع أنفسهم هذا الوضع الخاسر الذي فقدوا به نعمة السمع، فكانوا ((صماً)) لا يسمعون، و ((بكما)) لا ينطقون، و ((غلفاً)) لا يعقلون ـ من شر ما يدب على وجه الأرض من الحشرات التي لا تسمع ولا تنطق ولا تعي، وهي مصدر الشر والإيذاء لخلق الله ((إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون)) ثم يرشد النداء إلى أن حرمانهم من الحق ونوره كان من أنفسهم، ومن تحكم شهواتهم في ضمائرهم، حتى صارت غير مستعدة لقبول نور الحق الذي لا يَشرُق إلا قلب يتجه إليه ويتلق به، وهذه سنة الله في هداية عباده وضلالهم، ((ولو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم)) وأفاض عليهم من الحق بمقتضى سنته ما يناسب استعدادهم والحق الذي لديهم، فهم بمقتضى سنته لا يسمعون ((ولو أسمعهم لتوالوا وهم معرضون)) منصرفون عن تدبر ما سمعوا والانتفاع به، فقدوا نور الفطرة، وران على قلوبهم ماكانوا يكسبون.