/ صفحه 244/
تلازم الزكاة والصلاة في كثير من الآيات:
هذا ولا نكاد نجد آية عرضت للصلاة إلا وتذكر الإنفاق في سبيل الله، كما أنا لا نكاد نجد آية تعرض لأوصاف المؤمنين وتهملهما أو تهمل إحداهما، فقد جعل الله إقامة الصلاة مثالا لبذل النفس في سبيله، وجعل الإنفاق مثالا لبذل المال في سبيل، واقتصر في كثير من المواضع عليهما من جهة الأعمال الظاهرة، كما تراه في آيتنا هذه، وقد ذكر قبلها من أحوال القلوب ثلاث مراتب: الأولى: الوجل من هيبة الله وجلاله، والثانية: نمو هذا الوجل وامتلاء النفس به، والثالثة: الاعتماد القلبي على الله وحده في جميع الشئون.
الجزاء المعد لأرباب هذه الصفات:
وبعد أن كذر هذه الأوصاف ختم لأصحابها بخاتم الإيمان الحق الذي لاشىء فيه للباطل فقال: ((أولئك هم المؤمنون حقا)) وأثبت لهم بهذه الأوصاف درجات عند ربهم، وإذا كانت الأحوال الباطنة والأحوال الظاهرة متفاوتة في ذاتها وفي التي بها وعلى قدرها استحقاق الجزاء، كانت الدرجات متفاوتة بتفاوتها، فبقدر ما يكون عند المؤمن من هذه الصفات يكون له عند الله من هذه الدرجات.
ثم عطف على هذه الدرجات مغفرته لهم ورزقه الكريم إياهم، أما المغفرة فهي محو ما يكون منهم من سيئات ((إن الحسنات يذهبن السيئات)) والتجاوز عن عقابها حتى لا يعكر عليهم صفو هذه الدرجات. والرزق الكريم، هو المنحة الإلهية التي لا يعلم حقيقتها، ولا يحيط بكميتها إلا خالقها وما نحها،فهي رزق كريم من رب كريم.
نداءات إلهية للمؤمنين:
ذكرنا من قبل أن سورة الأنفال نزلت تحل مشكلات المؤمنين في غزوة بدر من الغنائم والأسرى وغير ذلك، وتذكرهم بنعم الله عليهم في الغزوة وفيما قبلها، ولم يفت السورة مع هذا كله أن تعرض لما يجب أن يكون عليه المؤمنون ـ وخاصة في أقات الجهاد ـ بالنسبة للأعداء من شجاعة وثبات وصمود، وبالنسبة لله ورسوله من الطاعة وسرعة الانقياد والأمانة والتقوى، وبالنسبة لأنفسهم من وحدة وتعاون وصبر وصدق نية، حتى يظفروا بالنصر والفلاح، ويحصلوا على العزة التي جعها الله لعباده المؤمنين.