/ صفحه 242/
التصديق ينقص ويزيد:
أما الإيمان بمعنى التصديق فقط، فقد اشتهر أنه لا يقبل الزيادة ولا النقصان لأنه اليقين، وعدم احتمال النقيض، فإذا نقص عن تلك الدرجة لم يكن تصديقاً، بل كان شكا أو ظناً، وهما غير الإيمان المفسر بالتصديق.
والحق أنه يقبل الزيادة والنقص من جهات ثلاث:
من جهة أنه وسيلته، ومن جهة متعلقه، ومن جهة ثمرته; فوسيلته الأدلة، وتأثر النفس بالأدلة كتأثر الاجسام الصلبة بالحفر والنقر، فكما أن آلة الحفر إذا كانت حادة، وكانت ضربات الحفار متكررة كان الأثر أشد غوراً وأبعد عمقاً، كذلك كلما كان الذليل أوضح وأقرب، وكلما تكاثرت الأدلة كان العلم أشد رسوخا في النفس، وأعمق أثراً في القلب، فلا تزلزله الشبهات، ولا تزعزعه العوارض والفتن، ولا كذلك إذا كانت الأدلة ضعيفة، وفي قوله الله: ((وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن؟ قال بلى ولكن ليطمئن قلبي)) أوضح دليل على أن الإيمان يقوي بقوة البرهان إلى درجة الاطمئنان.
أما متعلقه وهي القضايا النصدق بها، فإنه لا شك أن الإيمان بها عن طريق إجمالي لا يساوي الإيمان بها عن طريق تفصيلي; فإن الأول إيمان لم يتناول الجزئيات، والثاني إيمان تناول الجزئيات، ومن ذلك تكون قوة من آمن بتفصيل القواعد فوق إيمان من آمن بها جملة.
وفي الآيات الصريحة في زيادة نفس الإيمان قوله تعالى: ((الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل)) وقوله: ((ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيماناً وتسليما)).
أما من جهة أثره وهو العمل، فإنه لا شك أن تكرار العمل بمقتضى الفكرة مما يثبت الفكرة ويزيدها رسوخا في النفس، وأن إهمال العمل بمقتضى الفكرة يورث ضعف الفكرة في النفس حتى يصل بها إلى درجة الزعزعة أو المحو، ومن هنا يتضح أن زيادة الإيمان زيادة حقيقية للتصديق، وتكون بتلاوة الآيات أو بسماعها وتدبرها، وهي أعم من لآيات الكلامية أو الآيات الكونية.