/ صفحه 24/
ثم نجد في الجانب الآخر ابن حزم يمنع الإجارة، ويذكر أنها ليس لها أصل مبيح، والعقود لا تفيد الإلزام بها عنده إلا إذا قام الدليل على وجوب الوفاء بها من أحكام الشارع الثابتة بنصوصه المحكمة، ويفهم من الأحاديث المانعة للزراعة أنها مانعة أيضا من الإجارة لأنها حصرت الانتفاع في زراعة المالك أو أن يمنحها لغيره يزرعها، ولذلك كان يكره بعض التابعين كراء الأراضي الزراعية بالذهب أو الفضة، ومن هؤلاء الحسن البصري ومحمد بن سيرين.
وإن هذه النظرة توجهنا إلى القول بأن الشارع الإسلامي يجعل الأولى في الحكم هو أن يزرع المالك الأرض بنفسه، كسب من نتاجها أو لم يكسب، وأنه إن كان لا يستطيع زرعها وعنده ما ينفق منه على نفسه وعلى عياله دفعها إلى غيره ليزرعها، ومع ذلك ترخص الإجارة والمزارعة إن أدى الأمر إلى تعطيل الأراضي.
وبهذا يتبين لنا أن الإسلام في استغلال الأراضي حريص على أن يكون معه عمل يتحمل به المنتج مغارم ماله، كما ينتفع بمغانمه، وبذلك ننتهى إلى أن الإسلام وإن أقر الملكية العقارية وغيرها لا يعتبر رأس المال منتجاً من تلقاء نفسه، وانه يشجع أن يكون الانتاج بعمل صاحب رأس المال، أو على الأقل يتحمل الكسب والخسارة.
تشجيع الاسلام للزراعة:
36 ـ بيَّنا كيف كان النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) يحث على الزراعة والغرس ويعتبر ذلك صدقة، لأنه يقدم للأحياء أسباب النماء واستمرار الحياة.
وقد وجد المسلمون الأولون عند الفتح الاسلامي أن أكثر موارد الدولة ومصادر الثروة العامة والخاصة هي الزراعة، فمن الزراعة كان يؤخذ الخراج والعشور، وبالزراعة توجد الثروة لدى الآحاد التي تمكنهم من الشراء والادخار.