/ صفحه 238/
أما الجانب الآخر فهو جانب الإمامة والقيادة العامة للمسلمين في تنظيم شئونهم، وطاعته في هذا الجانب واجبة أيضا للنظام العام، واتقاء الفوضى (1) وقد أمره الله تعالى في هذا الجانب الذي لا ينزل عليه وحي فيه أن يشاور أمته، وذلك كما جاء في قوله تعالى: ((وشاورهم في الأمر)) وأشرك معه في هذا الشأن أولى الأمر، حيث لا نص من كتاب أو سنة، وأوجب على الناس إطاعتهم فيما يجمعون عليه بعد المشاورة، كما أوجب على المؤمنين الأولين إطاعة الرسول فيما يختاره بعد التشاور، ((يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)).
وقد كان ينزل بالمؤمنين الأمر ولا ينزل فيه وحى; فيعرضه الرسول عليهم، فيتشاورن، وكان تارة يرجع عن رأية إلى رأي غيره، وكان تارة يأخذ الآراء، وينفذ ما يرشده الله إليه، ويشرح له صدره ((فإذا عزمت فتوكل على الله)).
وقد وقع المسلمون فيما وقعوا فيه من الهزيمة يوم أحد بسبب مخالفة الرماة لأمره(صلى الله عليه وآله وسلم)، وهذا هو شأن كل مخالفة لما انعقد عليه الإجماع، وقضت به المشورة الصحيحة.

تعليق الأوامر الثلاثة على الإيمان:
أما تعليق هذه الأوامر الثلاثة بقولة تعالى: ((إن كنتم مؤمنين)) فذلك أن الإيمان يقضي بكل واحد من هذه الأوامر; إذ هو تصديق بعظمة الله، وعظمة أوامره، وقد أوجب الله التقوى، وإصلاح ذات البين، وإطاعته، وإطاعة رسوله، فالإخلال بواحد منها إخلال بتقديس الأوامر، والإخلال بتقديس الأوامر إخلال

ــــــــــ
(1) راجع كتابنا ((الإسلام عقيدة وشريعة)) باب ((السنة)) موضوع: السنة تشريع وغير تشريع.

بتصديق الإوامر، وبعظمته، وهو إخلال بالإيمان: نعم قد يعرض للمؤمن ما يغلبه على أمره أحياناً من ثورة شهوة أو ثورة غضب فتقع منه المخالفة، ولكن لا يلبث أن يذكر الله فيُبصر جُرم نفسه فيرجع الله ويتوب مما عرض له. ((إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون))، ((والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون. أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين)).

الذنب لا يخل بالإيمان:
فالإيمان، بل كمال الإيمان لا ينافيه، ولا يخلّ به الوقوع في الذنب على هذا النحو، وإنما ينافيه، ويخل به الاسترسال في المخالفة، واستمرار الشهوات والذنوب والآثام على وجه يطفىء نور الإيمان من القلب، ويدنس النفس، ويحول بين الإنسان وبين الرجوع إلى ربه والتبصر في عاقبة أمره، وبذلك صح التعليق، وظهر أن عدم الطاعة على هذا الوجه مناف للإيمان، وأن الإيمان يقضي بالطاعة والاستغفار والندم.