/ صفحه 334/
ذلك أنن الله خلق الإنسان ومنحه العقل، ويسر له سبل العمل ومكنه من وسائل الكمال، ثم شد أزره بالرسالات الإلهية; يبعث بها الأنبياء، وينزل بها الكتب كل ذلك ليبلغ الإنسان الكمال الممكن، والغايات الحسنة، ولا ريب أن كل ما شرعه الله في آخر رسالاته أمراً أو نهياً فهو وسيلة لهذا الكمال الذي أعده للإنسان في آخر أطواره، ومن هنا صح ما يقوله العلماء في تعريف التقوى من أنها: ترك جميع ما نهى الله عنه، وفعل ما يتطاع من الخير والطاعة، ويلاحظ هنا أن الله كما أمر بعبادات لتصفية الروح وتهذيبها، ونهي عن المعاصي التي من شأنها أن تدنس الروح وكان فعل الأوامر وترك النواهي تقوى، فإنه وضع أسباباً للمسببات وربط حصول المسببات بها، وحث على فعل الأسباب، وبذلك كان فعل الأسباب ليحصل الإنسان المسببات تقوى، ومن هنا يظهر أن السير في الحياة على ما وضع الله فيها من سنن من التقوى، وأن التقوى ليست خاصة بنوع من الطاعات، ولا بشىء من المظاهر، وإنما هي ـ كما قلنا ـ اتقاء الإنسان كل ما يضره في نفسه، وفي بنى جنسه، وما يحول بينه وبين الكمال الممكن.
ثمرة التقوى:
وقد جاء في هذه السورة نفسها أن من ثمرات التقوى حصول الفرقان ((ما يفرق به المرء بين الخير والشر والضار والنافع)) في هذه الحياة; فالعلم الصحيح والقوة والعمل النافع والخلق الكريم، وما إلى ذلك من آثار التقوى، فالتقوى هي الشجرة والفرقان هو الثمرة.
وقد جاء هذا المعنى في آخر الوصايا التي وجهها الله بأسلوب النداء إلى المؤمنين في هذه السورة، وهي قوله تعالى: ((يأيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً ويكفر عنكم سيئاتكم وبغفر لكم والله ذو الفضل العظيم)).
والآية صريحة في أن ثمرة التقوى وجزاءها الطبيعي أمران: إيجابي، وهو بحصول الفرقان، وسلبي وهو بمحو مدنسات النفوس والتجاوز عن العقاب عليها، وقد أطلق على القرآن فرقانا، لأنه يفرق بين الحق والباطل ((تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا)).