/ صفحه 232/
وقد رد أبو السعود هذا الوجه بأن مافي الآية من إضافة الأنفال لله والرسول والأمر بتقوى الله الى آخره، لا يلتئم مع سؤال الاستعطاء; لأنهم على فرضه لا يستعطون إلا ما صار حقا لهم بمقتضى الشرط ولا محذور فيه ولا مخالفة إلى آخر ما قال، وتلك هفوة منه منشؤها ظنه أن السائلين هم الذين اشتُرطت لهم الأنفال، وليس كذلك، كما دلت عليه رواية حال الشيوخ مع الشبان، فإن الذين سألواهم الشيوخ فقط، والكلام لهم والرد عليهم، وهو رد سليم يتفق والواقع، ويقرر انحراف الشيوخ، أو محاولة انحرافهم عما اشترطه الرسول مع الشبان.

الغنيمة والفىء ومكانهما من النظام المالي في الإسلام:
وبمناسبة الغنائم والأنفال: يجدر بنا أن نشير في هذا المقام إلى أن الغنيمة نوع من أنواع الأموال في الدولة، ومنها الفىء، وهو ما حصل عليه المؤمنون من أموال الأعداء عفواً من غير حرب، كمال الصلح، والحزية، وكالأرض يرتحلون عنها للمسلمين، ومنها: الصدقات، والزكاة والخراج، والعشور، والمعادن، والركاز، والجزية. وهذه هي مصادر الأموال في صدر الإسلام، وقد ذكرت مصارف الغنيمة في سورة الأنفال، وذكرت مصارف الفىء في سورة الحشر: ((ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كيْلا يكون دُولة بين الأغنياء منكم.... للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم... والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم... والذين جاءوا من بعدهم يقولن ربنا اغفر لنا... الآيات من 7 ـ 10 سورة الحشر.
قال عمر: لو لا من يأتي من آخر الناس ما فتحت قرية إلا قسمتها كما قسم رسول(صلى الله عليه وسلم) خيبر. ويروي أنه دعا المهاجرين والانصار واستشارهم فيما فتح الله عليه من ذلك، وقال لهم: تثبتوا الأمر وتدبروه، ثم اغدوا عليّ، ففكر في ليلتْه، فلما غدْوا عليه قال: مررت البارحة بالآيات التي في سورة الحشر، وتلا: ((ما أفاه الله على رسوله من أهل القرى، إلى قوله: للفقراء المهاجرين)) فلما بلغ قوله: ((أولئك هم الصادقون)) قال: ما هي لهؤلاء فقط، وتلا قوله: ((والذين جاءوا من بعدهم)) ثم قال: ما بقى أحد من أهل الإسلام إلا وقد دخل في ذلك، ومعنى هذا أن عمر لم يقسم الفىء على المقاتلين، ولا على المسلمين الموجودين، وإنما اتخذ منه معاشاً للحاضرين، وعدَّة للمقبلين، وانظروا قوله تعالى: ((كيلا يكون دُولة بين الأغنياء منكم)) والدُّولة اسم الشيء الذي يتداول، والمعنى: ((فعلنا ذلك في الفىء كيلا تقسمه الرؤساء والأغنياء بينهم دون الفقراء والضعفاء)) قرطبي.