/ صفحه 22/
القسم الرابع إجارة الأراضي الزراعية:
34 ـ وإجارة الأراضي الزراعية معروف في كل العالم على أنه وسيلة من وسائل الانتاج الزراعي، ولكن خالف ابن حزم الظاهري في إباحة إجارة الأراضي، وقال إن مالك الأرض إما أن يزرعها بنفسه، وإما أن يدفعها مزارعة لغيره، وإما أن يتركها، وفي هذه الحال لو زرعها غيره لا يكون مغتصباً، ويقول في ذلك:

((لا تجوز إجارة الأراضي أصلا لا للحرث فيها، ولا للغرس فيها، ولا للبناء عليها، ولا شي من الأشياء المسماة أصلا، لا لمدة قصيرة ولا طويلة، ولا بغير مدة مسماة، لابدنانير ولا بدراهم ولا بشي أصلا، فمتى وقع فسخ أبدا، ولا يجوز في الأرض المزارعة بجزء مسمى مما يخرج منها أو الممارسة كذلك، فإن كان فيها بناء قل أو كثر جاز استئجار ذلك البناء وتكون الأرض تبعاً لذلك البناء غيرداخلة في الإجارة أصلا(1).
ويستدل على ذلك بالأحاديث التي كانت تمنع المزارعة من مثل قول النبي(صلى الله عليه وآله وسلم): ((من كانت له أرض فليزرعها أو ليمنحها أخاه، فإن أبي فليمسك أرضه)) ومن مثل ما روى عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أنه نهى عن كراء الأرض، ومثل ما

ــــــــــ
(1) المحلي ج 8 ص 190.
روى عن جابر أنه قال: ((نهى رسول الله عن أن يؤخذ للأر أجر أو حظ)).

وإن هذه النصوص تدل على أن الرجل إما أن يزرع الأرض بنفسه، وإما أن يمنحها أخاه من غير أجر ولا حظ مما يخرج، ولكن المزارعة ثبتت إباحتها بما فعله النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أرض خيبر، ويقول في ذلك ابن حزم بلغته العنيفة: ((ولو أنه صح أن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) مات على هذا العمل ((وهو دفعه الأرض لأهل خيبر مزارعة)) لما قطعنا بالنسخ، لكن ثبت أنه لحديث آخر عمله(عليه السلام)، فصح أنه نسخ صحيح مستيقن لا شك فيه، وبقى النهي عن الإجارة جملة بحسبه، إذ لم يأت شيء بنسخه، ولا يخصصه البته، إلا بالكذب البحت أو الظن الساقط الذي لا يحل استعماله في الدين)).
وقد كان إجماع المسلمين على غير ما يرى ابن حزم حتى إنه بذلك الرأي يخالف أبا سليمان داوود الظاهري شيخ المذهب، القاهري ويحكي هو الإجماع على ذلك، فنقول: ((اتفق أبو حنيفة ومالك الشافعي وأبو يوسف ومحمد وزفر، وأبو سليمان (أى داوود الظاهري) على جواز كراء الأرض)).