/ صفحه 197/

الكلام، وليس هذا مما يطرد لنا أن نقيسه، وإنما نقدم على ما أقدموا ونحجم عما أحجموا، وننتهي إلى حيث انتهوا)). ثم يوضح ما أراده بوقوفنا عندما وقفوا، فيقول: ((ونراهم يسمون الرجل جملاً ولا يسمونه بعيراً، ولا يسمون المرأة ناقة، ويسمون الرجل ثوراً ولا يسمون المرأة بقرة، ويسمون الرجل حماراً ولا يسمون المرأة أتانا، ويسمون المرأة نعجة ولا يسمونها شاة، ولا يضعون نعجة اسماً مقطوعاً، ويجعلون ذلك علامة مثل زيد وعمرو، ويسمون المرأة عنزا(1))) وهذا منتهى المحافظة على اقتفاء أثر العرب، وإن كنت أعرف أنهم استعملوا الشاة مكان المرأة كما جاء في شعر الأعشى:
فرميت غفلة علينه عن شأته * * * فأصاب حبة قلبها وطحالها
ويتحدث الجاحظ في موضع آخر عن الخطأ في استعمال الكلمات في غير مواضعها، فيخطىء من يسمى إبرة العقرب حُمة، لأن الحمة سموم ذوت الشعر من الدَّبر (جماعة النحل) والزنابير، وذوات الأنياب والأسنان كالأفاعي وسائر الحيات وسموم ذوات الإبر من العقارب، ثم قال: (ولم نرهم يمون جميع السموم بالحمة فقلنا مثل ما قالوا، وانتهينا إلى حيث انتهوا).
ومن جهة أخرى. اللغة عُرف، فنحن نسمع كلمة (استحم) ونعرف معناها بما تواضع العرب عليه وعرفناه عنهم، وإذا جهلها واحد رجع إلى المعاجم، أما إذا سمعنا كلمة (تحمم) وأمثالها مما يضعه الشعراء الآن فهمنا منها غير الذي أراد; لأن للكلمة معنى في اللغة غير المعنى الذي وضع الشاعر الكلمة له، وحين نبيح لكل من يريد أن يتصرف في ألفاظ اللغة هذا التصرف ندخل الفوضي على لغتنا.
على أن المقارنة بين جبران والبدوي لا تحمل فيما أعتقد محمل الجد فاللغة التي تنساب عن طبع لا سلة لها بنبوغ جبران وخمول الأعرابي، لأننا لم نأخذ عن

ــــــــــ
(1) كتاب الحيوان 1 ص 211 هرون

هذا البدوي نظرية فلسفية، أو قانوناً علمياً حتى نعود إلى المفاضلة، وإنما نأخذ اللغة، وذو الطبع الذي يبول على عقبيه أصح لغة من ألف جبران.
ويبيح صاحب ((الغربال)) للأدباء التصرف في اشتقاق المفردات، كما يبيح