/ صفحه 196/
فأثبته، ووضع بعت كلمة (تحممت) كلمة (كذا) وبعدها علامة استفهام، وإن شئت فقل علامة استغراب، كأن الناقد يقول للقارىء: ((انظر. هو يقول تحممت، وليس في اللغة تحمم بل استحم، فيا للجريمة!!.
سألتكم ياسادتي، باسم العدل والفهم والقاموس. لماذا جاز لبدوي لا أعرفه ولا تعرفونه أن يدخل على لغتكم كلمة (استحم) ولا يجوز لشاعر أعرفه وتعرفونه أن يجعلها (تحمم) وأنتم تفهمون قصده، بل تفهمون ((تحمم)) قبل أن تفهموا (استحم)؟ وما هي الشريعة السرمدية التي تربط ألسنتكم بلسان أعرابي عاش قبلكم بألوف السنين، ولا تربطها بلسان شاعر معاصر لكم))؟.
ولا أعتقد أن مثل هذا الكلام يصلح للاحتجاج لإدخال ألفاظ جديدة في اللغة، فالمقارنة بين البدوي الذي لا نعرفه والشاعر الذي نعرفه مقارنة غريبة. نحن أخذنا لغتنا من قوم طبعوا عليها، واللغة لم تخلق اليوم فتخلق أصولها وقاعدها في طريقنا، وإن التطور إنما يكون في اللغات التي ليس لها ماض وقواعد وأصول، ومتى وجدت القواعد والأصول فلماذا نهملها أو نخالفها إلا لضرورة قاسرة لا مناص منها، كما يقول الأستاذ العقاد؟.
ولا بد لنا أن نتبع خطى العرب، وننهج نهجهم، فنستعمل ما استعملوا وتهمل ما أهملوا، ونستعمل كل كلمة في المعنى الذي وضعت له، مع ماهو معروف من إباحة المجاز إذا وجدت العلاقة.
وقد رأيت علماءنا السابقين يتشددون في هذه الناحية، حتى الذين عرف عنهم أنهم من أحرار الفكر، تعرض الجاحظ لاستعمالات العرب في التشبيه والمجاز وقال: ((ويروي عن النبي(صلى الله عليه وسلم) أنه قال: نعمت العمة لكم النخلة، خلقت من فضلة طينة آدم. وهذا الكلام صحيح المعاني، لا يعيبه إلا من لا يعرف مجاز