/ صفحه 198/
لهم ارتجالها، وكما يبيح الخطأ ما دام الغرض الذي يرمي إليه الأديب مفهوما، ويرى العناية باللفظ فضولا، ويتوسط الأستاذ العقاد بين التحريم والتحليل، فيرى أن الكتابة الأدبية فن، والفن لا يكتفي فيه بالإفادة، ولا يغني فيه مجرد الإفهام، وينساق مع نعمية وأشياعه; فيرى أن الأديب في حل من الخطأ في بعض الأحيان، ولكن على شريطة أن يكون الخطأ خيراً وأجمل وأوفى من الصواب!
قلت: ولا هذا أيضا، فإني أرى العقاد قد انساق قليلا مع التيار، وتأثر بعض الشيء بدعوة الزملاء الفضلاء ـ كما يدعوهم ـ فراح يأخذ بمذهب وسط بين التحريم والتحليل، ويجيز الخطأ حين يكون الخطأ (خيراً وأجمل وأوفى من الصواب) ويجيز أن نخالف قواعد اللغة وأصولها حين تلجئنا ضرورة (قاسرة لا مناص منها)، وهذه نافذة خطيرة لا تأتينا بالنسائم البليلة المنعشة، ولكنها تأتينا ـ إذا استمر فتحها ـ بالسمائم والأعاصير والأتربة وما إلى ذلك، فما دمنا نتكلم العربية ونكتب بها وندين لها فلا أرى أن نتعدي قواعدها وأصول مفرداتها، ولا أن نجيز المطأ فيها، ولو كان على هذا الوجه الذي ذكره العقاد، ولقد كنت أحب أن يذكر الأستاذ مثالا واحداً يكون فيه الخطأ (خيراً وأوفى وأجمل من الصواب).
وأعتقد أن هذه المسألة اعتبارية; فقد يظن أحد الناس أن الخطأ أحسن، في حين يخالفه آخرون، ويرون أنه أقبح من الصواب، وما لجأ إليه ـ أعني الخطأ ـ وجوزه صاحب الغربال إلا لاعتقاده أنه كلما دعت حاجة الشاعر أو الكاتب كان خيراً وأجمل وأوفى من الصواب، وما خالفه العقاد إلا لأنه يعتبر أن الصواب في الأكثر الأعم يكون أجمل وأوفى، فلا معدي لنا من التزام قواعد اللغة وأصولها، وإن فيها من المرونة والانساع ما يجعل هذا الكلام منحرفا عن الجادة أشد الانحراف، على أن كلمة (الصواب) تحمل في نفسها سرّ قوتها في حين يحمل الخطأ سر ضعفه، ويكفي الصواب أنه صواب!.