/ صفحه 194/
ثم يقول: ما رأيه في (مسْجور الصيّاخيد) و (أكناف الجلاميد) أهي ملائمة لذوق الجيل الحاضر؟ وهل يرى غيرها أجدر بمكانها في هذا الشعر؟ إنها لا ريب حسنة في موقعها، بالغة ما أريد بها من وصف الصحراء حين تشتعل فيها الهواجر.
ثم يقول معلقا على قول الأستاذ أحمد أمين: (إن بعض ألفاظ اللغة أصبح أثريا): ((ما أشد حاجتنا إلى كثير من هذه الألفاظ المهجورة; فإنها مجدية على من يعرفها ويستعملها، وعسى أن تصير ملائمة لذوق الجيل الحاضر حين يعرفها فيقضي بها حاجته من الإبانة عما يريد)).
ويضرب أستاذ آخر أمثلة لبعض الكلمات التي لا تغني مكانها كلمات أخرى، فيقول:
وإن من النسوان من هي روضة * * * تهيج الرياض دونها وتصّوح
ومنهن غُلُّ مقفل لا يفكّه * * * من الناس إلا الأحوذي الصّلنقح
(صلنقح) أي صياح شديد الصوت، وهي كلمة غربية، وثقيلة على السمع، غير أنها قد تروج لدى القارىء المنصف مذيري المقام يقتضيها، والسياق يواتيها والقافية تناديها(1)).
قلت: والرأي يضطرب هنا بين الألفاظ المألوفة والمبتذلة، وبين الألفاظ الجزلة والثقيلة على السمع وفي النطق، ثم إن بعض الكتاب ينسون أن المعوّل في هذا على الذوق، وأن الذوق أسير الإلف، ولن يستسيغ كلمة خشنة جاسية إلا من تعوّد أن يسمع مثل هذه الكلمات.
ولعل خير الطرق في هذا الشأن أن نترك الأفذاذ من الكتاب والشعراء ـ في حدود الأصول اللغوية ـ يستعملون من هذه الألفاظ المهجورة ما تسيغه أذواقهم، ويشتقون ما يرون أنه ضروري لأداء معانيهم، فإذا جرت هذه الكلمات على ألسنة عامة الأدباء امتلاءت حياةً، وزادت ثروة الكلمات المستعملة، وإذا أهملها الأدباء رجعت إلى مكانها من صحف القاموس، وما أظن أحدا من هؤلاء يستسيغ استعمال الكلمات الخشنة مهما كانت دقتها في أداء المعى ذلك أن الأديب لا ينطبع فقط بما يقرأ، بل يخضع لمؤثرات كثيرة، والبيئة التي تحيط بأدباء عصرنا لا تطبع أذواقهم على تقبل مثل هاتيك الكلمات التي ما كان يستسيغها إلا العربي القحّ، الملتف بشملته، وإن الأديب العصري ليفضل بعض التقصير في الأداء على استعمال كلمة ينبو بها موضعها، ومن تراه يقبل أن يضع في قطعة نثرية فنية، أو قصيدة شعرية عصرية كلمة (صلنقح)؟ إنها تحتاج في نطقها إلى لحِيَين لم يُخلقا في هذا العصر، وفي سماعها إلى أذنين لم تعيشا في هذا الزمن، وفي كتابتها إلى أقلام

ــــــــــ
(1) مجلة الرسالة العدد 10 ص 15