/ صفحه 19/
ذلك هو منطق الفقه الإسلامي بالنسبة للأرض وما عليها من حقّ قرار ونبات.
32 ـ والقسم الثاني ـ من طرق الزراعة أن يزرع المالك أرضه، وهذا طريق استغلالها، وهو بدهى، لأن من ملك عيناً ملك الانتفاع بها بكل طرق الانتفاع، بيد أنه يتعلق بها حق الغير، وحق الغير يتجلى في أمور ثلاثة:
أولها ـ أن ما يكون فيها من كلأ يكون شركة بينه وبين غيره من النّاس، وقد بينا مدى حق الملكية، ومدى الشركة العامة في الكلأ.
والحقّ الثاني ـ الذي يتعلق بها حقّ الجوار، وحقّ الطريق وحقّ الشرب، فإذا كانت أراض لا يصل إليها الماء إلا عن طريقه كان لها حق المجرى من غير أن تكون مضارة له، وكذلك يكون عليها حق الطريق. إذا كانت أرض لا يمكن الوصول إليها إلا بطريقه، فإنه يمكنه من المرور من غير ضرر أيضاً.
والحقّ الثالث: هو حقّ الكافة، وهو أن يزرعها لينتفع النّاس بها، فلا يتركها من غير زرع، وهو قادر على زرعها، وإن ذلك الحقّ ديني بمعنى أن الله تعالى يحاسب العبد عليه، حساباً عسيراً، وليس بحقّ قضائي. ولكن لولى الأمر أن يحث النّاس على زراعتها ويعاونهم عليها، وإن رأى إهمالا واضحاً ووجد المصلحة في دفع الارض لغيره ليزرعها على أن يكون له أجر مثلها، كان له أن يفعل ((لان كل مصلحة مطلوبة، وكل مضرة مدفوعة، ولا شك أن ترك الأرض من غير زراعة فيه مضرة عامة.
هذا وإن تدخل ولى الأمر في بيان الأنواع التي تزرع، والبذور التي تصلح، والحمل على تنقية الآفات التي تعرض، كل هذا من قبيل جلب الصالح ودفع الضار، لأن ذلك هو السبيل لأن تخرج الأرض خير ما فيها وتأتى بأطيب أكلها، وكل مصلحة حقيقية هي من مقاصد الشارع الإسلامي.
هذا وإن ولى الأمر إذ يتدخل لكى تنتج الأرض خيرها. إنما يتدخل لمصلحة الفقير، ذلك لأن الفقير له حقّ في الزرع وقد صرح القرآن الكريم به، فقد قال تعالى في الزرع: (وآتوا حقه يوم حصاده) فبمقتضى هذه الشركة يكون لولى الأمر حقّ التدخل للمحافظة على من هم في ولايته.