/ صفحه 187/
وقد ورد ذكر الهجرة والمهاجرين في آيتين من هذه السورة; إحداهما في قوله تعالى في الآيتين ـ 41، 42 ـ منها (والذينَ هاجرُوا في الله مِنْ بعدِ ما ظُلمُوا لنبوَّثنَّهم في الدنيا حسنةً ولأجرُ الآخرةِ أكبرُ لَوْ كانُوا يعلمونَ، الذينَ صبرُوا وعلى ربَّهم يتوكلونَ).
والثانية في قوله تعالى في الآية ـ 110 ـ منها (ثمَّ إنَّ ربكَ للذينَ هاجرُوا مِنْ بعد مافتنُوا ثم جاهدُوا وصبرُوا إنَّ ربكَ مِنْ بعدهَا لغفورٌ رحيمٌ).
وفي الآية الأولى يروي الفخر الرازي عن ابن عباس أنها نزلت في ستة من الصحابة: صُهيب وبلال وعمَّار وخبَّاب وعابس وجُبَير موليين لقريش، فجعلوا يعذبونهم ليردُّوهم عن الإسلام، أما صهيب فقال لهم: أنا رجل كبير، إن كنت لكم لم أنفعكم، وإن كنت عليكم لم أضركم. فافتدى منهم بماله، فلما رآه أبو بكر قال: ربح البيع يا صهيب. وقال عمر: نعم الرجل صهيب لو لم يخف الله لم يعصه. فأما سائرهم فقد قالوا بعض ما أراد أهل مكة من كلمة الكفر والرجوع عن الإسلام، فتركوا عذابهم، ثم هاجرواـ إلى المدينة ـ فنزلت هذه الإية، وبيَّن الله تعالى بها عظم محل الهجرة ومحل المهاجرين، لأن بسبب هجرتهم ظهرت قوة الإسلام، كما أن بنصرة الإسلام قويت شوكتهم. ثم سكت على هذا، ولم يتنبه إلى أن سورة النحل مكية في قول الأكثرين، وأنه أرجح الأقوال فيها، فلا يصح حمل الهجرة في تلك الآية على الهجرة إلى المدينة، لأنها لم تكن حدثت عند نزول هذه السورة، وإنما الهجرة في هذه الآية هي هجرة المسلمين إلى الحبشة لا إلى المدينة.
وهكذا ذهب غير الفخر الرازي من المفسرين مذهبه في حمل الهجرة في هذه الآية على الهجرة إلى المدينة، اللهم إلا في تفسير ـ فتح القدير الجامع بين فنى الرواية والدراية من علم التفسير ـ للقاضي محمد بن علي بن محمد الشوكاني المتوفي سنة 1250 ـ هجرية، فقد ذكر أنه ماختلف في سبب نزول هذه الآية، فقيل: نزلت في صُهيب وبلال وخبَّاب وعمَّار، واعترض بأن السورة مكية، وذلك يخالف قوله: (والذين هاجروا) وأجيب بأنه يمكن أن تكون هذه الآية من جملة الآيات المدنية في هذه السورة.