/ صفحه 188/
وقيل نزلت في أبي جندل بن سهيل، وقيل نزلت في أصحاب محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)، لمَّا ظلهم المشركون وأخرجوهم حتى لحق طائفة منهم بالحبشة.
فالقاضي الشوكاني يذكر في هذا ما يجب حمل الآية عليه من الهجرة إلى الحبشة ولكنه يذكره في آخر الأقوال المرويَّة في ذلك، كأنه أضعف الأقوال فيها، وقد وردت آيات كثيرة في الهجرة إلى المدينة والمهاجرين إليها، فلا يصح أن نستكثر هذه الآية على الهجرة إلى الحبشة والمهاجرين إليها.
وكذلك ذهب الفخر الرازي في الآية الثانية من هذه السورة، فهي عنده في المهاجرين إلى المدينة أيضاً، وكذلك ذهب القاضي الشوكاني أنها فيهم، ولم يذكر احتمال أنها نزلت في المهاجرين إلى الحبشة كما ذكر في الآية الأولى، وإني أرى أنها فيهم أيضاً، لأن السورة مكية من أولها إلى آخرها في أرجح الأقوال ولا يمنع من حملها عليهم ما ذكر فيها من الجهاد. لأن أنواع كثيرة لا داعي إلى ذكرها هنا، فلتمض الآيتان في شأن المهاجرين إلى الحبشة، لأنه هو الذي يوافق نزول سورة النحل في مكة، ليكون لأولئك المهاجرين نصيبهم في تنويه القرآن بشأن المهاجرين، ولا يكون هناك إغفال لذكرهم في القرآن، وقد نزل كما سبق تبياناً لكل شيء، فلا يصح ألاَّ يكون فيه تبيان لهجرتي الحبشة.
ولا يمنع أيضاً من ترجيح القول بأن سورة النحل مكية من أولها إلى آخرها ما ورد في آخرها من قوله تعالى: (وإنْ عاقبتمْ فعاقبُوا بمثل ما عوقِبتمْ بِه) الآية، وقوله: (واصبرْ وما صبرُك إلا بالله) مما قيل إنه نزل في شأن التمثيل بحمزة وقتلى أحُد، فإنه لم يحمل من ذهب إلى أن هذا مدني إلا أن القرآن لم ينزل برد العقاب بمثله إلا في المدينة، لأن هذا لا يعقل عنده إلا بعد شرع القتال للمسلمين، وهو لم يشرع لهم إلا في المدينة بعد هجرتهم إليها، وقدرتهم على رد الهعقاب بمثله، وقد فات من ذهب إلى هذا أن التشريع كما يكون للحاضر يكون للمستقبل، فلا مانع من نزول هذا بمكة على أن يكون العمل به عند قدرتهم عليه، وإذا أمكن هذا لم يكن هناك داع إلى تقسيم آيات السورة إلى مكي ومدني، لأن مثل هذا يجىء على خلاف الأصل.