/ صفحه 182/
وهنا ندرك الآن مزايا تحريم الخمر والمخدرات في حياة الإنسان المسلم، وندرك تشدد الإسلام في تحريمها نفاديا لآثارها المخربة وهي آثار تعود على بناء الوطن بالضعف والتفكك، وعلى المجتمع بميل أفراده إلى السكون والدعة وعدم المقاومة. الإسلام يريد فرداً قوياً هو مواطن صالح، ويريد مجتمعاً ذا بناء متماسك هو مجتمع ذو سيادة في الداخل والخارج. وذا حرم الخمر وما يشبهها، وتناول بالتحريم معها أشياء أخرى تتصل بهذا الهدف السامي.
وهكذا لو استرسلنا فيما حرمه الإسلام على الإنسان لوجدنا أن هدف الإسلام كان دائماً هو: فرد قوي صالح في مجتمع قوي متماسك.
متى يكون للدين أثره:
ولكن لا تكون للدين إيجابيته، ولا يكون له أثره في سلوك الإنسان إلا إذا كانت قيمه مصونة عن التجريح، وكانت فوق النقد الساخر البذىء. فحاصية الدين ليست في خلود قيمه فقط، وليست في استيعاب مبادئه لطبيعة الإنسان، ومساوقتها للمستوى المهذب الرفيع للإنسانية، وليست في أنه وحتى من الله وليس من صنع البشر، وليس في أن المُبّلِغ به كان معصوماً عن الخطأ فيما بَلّغ ـ وإنما كذلك في قدسيته، وفي طاعة الناس له طاعة منبثقة عن ضمير في النفس كونته المهابة من الله والإيمان لعظمته. وأنه وحده هو الإكبر) في الوجود، وأنه من أجل ذلك لا إله إلا هو سبحانه له الملك وله الحمد.
فإذا خفت قدسية الدين في النفوس، وتخلخلت عظمة الله أوحي به، وضمر الضمير الذي تنبثق عنه الطاعة لبمادىء الدين ـ جنح الناس إلى الاستخفاف يقيمه، ومال أمرهم إلى التخلف عن متابعة هذه المبادىء، وأصبح الحلال والحرام من الكلمات التي تنطق بها الألسن دون أن تعيها القلوب، فضلا عن أن تحفل النفوس بها في التصرفات والسلوك.
وعندئذ يصبح الدين، وتصبح أحكامه ومبادئه على هامش حياة الناس.
وتصبح فاعليته وانفعال الناس به أمراً لا يعدو أسماعهم، وإن لم يسلم شأنه من استخفافهم وسخريتهم به.