/ صفحه 180/
أدخل في الحرمة، وأشد في المنع من الخمر التي ذكرت بالاسم في القرآن. فيقول: ((إن فيها من المفاسد ما ليس في الخمر. فهي بالتحريم أولى. ومن استحلها وزعم أنها حلال فإنه يستتاب. فإن تاب وإلا قتل مرتدا، لا يصلي عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين)).
ويقول تلميذه ابن القيم: ((يدخل في الخمر كل مسكر مائعاً كان أو جامداً عصيراً أو مطبوخاً، وتدخل فيه اللقمة الملعونة لقمة الفسق والفجور التي ترك القلب الساكن إلى الأماكن)) ويعني باللقمة الملعونة الحشيش.
وأدخل ابن تيمية المخدرات في التحريم على نحو أشد من تحريم الخمر عندما ظهرت في وقته في آخر المائة السادسة وفي المائة السابعة من الهجرة، حين ظهرت دولة التتار وخربت بغداد وغزت دمشق والشام. وهي وإن لم تأخذ اسم الخمر فيما مضى قبل عهد ابن تيمية لأنها لم تكن معروفة ـ لكن يصح أن تأخذ الآن اسم الخمر، طالما هي أشد أثراً وأكثر فتكاً بالعقل في أحكامه وحلوله.
فهذه الأشياء التي تناولها الإسلام بالتحريم في حياة الإنسان ـ وإن بدت أنها قاصرة على الحياة الإنسان الشخصية ـ تتجاوز حياته الخاصة إلى علاقته بغيره، إلى علاقته بجاره، إلى علاقته بأسرته، إلى علاقته بوطنه، إلى علاقته بمجتمعه. فالإنسان الذي يحول دون إعداد نفسه للقاء المشاكل والأزمات، والإنسان الذي يحول دون أن يكون ذا أهلية وذا صلاحية في بيته وفي وطنه، ويحول دون أن يكون ذا شجاعة وذا جرأة في مقاومة خصمه وعدوه، ويحول دون أن يكون ذا تضحية وفداء في الدفاع عن وطنه ومجتمعه ـ هو إنسان كما ذكرنا أضاع طاقته البشرية، وأتلف إمكانياته التي كانت له بحكم طبيعته.
ومن هنا مكافحة الخمر في صورها وأنواعها أمر يجب أن يحرص عليه المجتمع السليم، وتحرص عليه الرعاية والواعية وهي رعاية كل من له ولاية على نفسه أو على غيره.
والمدنية الغربية الحديثة تعاني أزمات عنيفة بسبب انتشار الخمر في مجمعاتها وفي مقدمة هذه الأزمات أزمة الرجولة، وأزمة الشجاعة والجرأة، وأزمه التضحية والفداء. ولو لا أن هناك أسباباً اقتصادية تدعو إلى صنع الخمر والاتجار بها، ولو لا هناك عادات استحكمت وتحكمت في القيادة والتوجيه ـ في التشريع وسياسة الحكم على السواء ـ لو لا هذا وذاك، لما ترددت هذه المجتمعات في تحريم الخمر بأنواعها.