/ صفحه 179/
يقول الله تعالى: ((يأيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون)) وشرحت السنة الصحيحة الخمر بما يروي عن الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) في قوله: ((كل مسكر خمر)). ((إن من الحنطة خمرا)) ومن الشعير خمرا، ومن الزبيب خمراً، ومن التمر خمراً، ومن العسل خمراً، وانا أنهي عن كل مسكر)). والخمر أخذت هذا الاسم لمعنين: لما فيها من الاختمار ثم لأنها تخامر العقل ـ وهو تفسير عمر(رضي الله عنه) عندما خطب على المنبر فقال: ((أيها الناس إنه نزل تحريم الخمر وهي من خمسة: من العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير. والخمر ما خامر العقل، ومعنى مخامرتها العقل أنها تمازجه وتشتبك به فَتُلبِس عليه طريق التفكير والحكم، وتحول عندئذ دون أن يكشف طريقه الصحيح)).
والإنسان إنما تميز كإنسان لأنه ذو عقل يستطيع أن يكشف به ما يلبس عادة على غيره، وأن يحل به المشاكل التي لا يستطيع غيره بحكم فطرته حَلَّها. فإذا تناول الإنسان، الرجل أو المرأة، ما يسفد عليه هذه الخصيصة وما يعوقها دون أن تؤدي وظيفتها فقد حرم الإنسان نفسه من ميزته، وسوى بينه وبين غيره من المخلوقات، وليست هذه فطرة الله التي فطر الناس عليها.
فشارب الخمر يريد أن يشوه خلق الله الذي يتمثل في الطبيعة التي فطر عليها، ويمسخ أبرز ميزة له وهي ميزة العقل الذي هو أداة الحكم الصحيح على الأشياء والحل السليم للمشاكل والأزمات.
والخمر ليست فقط هي ما اختمر من العنب، ولا ما اختمر من الحنطة والشعير والتمر والعسل. وإنما هي كل ما يؤدي إلى نتيجة ما اختمر من هذه الأشياء السالفة، وهذه النتيجة هي سد المسالك على العقل في مباشرة الحكم الصحيح وانتهاج الحلول السليمة لمشاكل الحياة وأزماتها. والمخدرات بأنواعها المختلفة ـ الشحيش ـ الأفيون ـ الهوريين ـ الكوكايين وكل ما يشتق منها هي في معناها وسلم نائجها خمر وإن لم تأخذ اسم الخمر فيها مضى على عهد الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)وفي وعهد خلفائه والمسلمين الأولين. بل إن ابن تيمية ـ الفقيه المشهور ـ جعلها