/ صفحه 178/
وهذا من شأنه أن يحمل الإنسان الذي يريد الحياة على أن يكون معداً للقاء كل حال تواجهه من هذه الحالات المتقابلة المتباينة.
وإذن من الطبيعي للإنسان ومما تدعوا إليه طبيعته أن يخلع ما يربطه بلون معين من الحياة ـ فلا يتعود لبس الحرير ولا التزين بالذهب مثلاً مما من شأنه أن يربطه بالحياة الهادئة الرتيبة ـ وأن يكون أكثر استعداداً للحالات المختلفة التي تقوم عليها طبيعة الحياة.
وعلى هذا النحو حرم الإسلام على الإنسان، الذكر والأنثى على السواء، شرب الخمر. وهو إذ يحرم شرب الخمر لا يبغي فقط أن يجنب الإنسان ضرر الإسراف في الإنفاق، ولا التزام عادة سيئة فقط، وإنما قبل هذا وذاك يريد أن يجنبه الضرر الذي يصيب بناء نفسه وجسمه، كما يصيب عن طريقه بناء المجتمع الذي هو واحد من أبنائه ومن المشاركين في إقامته. يريد الإسلام بتحريم الخمر على الرجل وعلى المرأة أن يحول دون فقدانهما الإعداد الصالح للحياة نفسها. يحول دون أن تفقد المرأة إعدادها لأن تكون امرأة ذات خفر وحياء، يحول بينها وبين التسول والاستجداء من أجل هذه العادة السيئة إذا هي ضاقت يدها عن الإنفاق في سبيل حاجتها إلى الشراب. يحول دون أن تفقد المرأة أهليتها لأن تكون زوجة ذات تدبير وأم ولد ذات حنان وعاطفة، وراعية في المجتمع ذات صبر وتؤدة في رعايتها لمن ترعاه، وفي مباشرتها لما تباشره. ويحول دون أن يفقد الرجل كرامته كرجل فيجبن عندما تطلب منه النجدة، وتخور قواه عندما لا يجد شراباً، ويسوء خلقه إذا ما تحكمت فيه العادة. يحول دون أن يفقد أبوته وصلاحيته للأبوة، وصلاحيته للولاية العامة والخاصة. يحول دون أن يفقد الرجل شجاعته وجرأته، وعزمه، وإيمانه بالفداء والتضحية إذا ما اضطر للقاء خصم وعدو، أو إذا ما هو جم وهو في عقر داره. ذلك هو سبب تحريم الخمر على الرجل والمرأة معاً.