/ صفحه 171/
إنه رجع إلى أمه وأخبرها خبره، فما كان جوابها إلا أن قالت: بئسما فعلت، فلقد خلص دريد ثلاثا من أمهاتك من السبى، فانظر كم ترى من مصادفات هو في كلها جد كريم على خلافها فهي غير مواتية. إنه لا شىء يمنع أن يكون كل هذا قد حدث حقا، ولا شىء يمنع ألا يكون حدث، والدليل غائب فرجح ما تشاء فلن يضير التاريخ في شىء، والله من وراء كل شىء محيط.
قلت ـ إذا غاب الدليل فلن يغيب أن الله جلت حكمته أخزى دريدا وشيعته وأعز الإسلام وجنده.
قال ـ لا تخلط ـ فلقد أعز الله الإسلام بشيعته. وإنما غاب دليل أمر خاص لا يعنينا ولا يعني الإسلام.
قلت ـ كان دريد، فيما علمنا ـ حكيما من حكماء الجاهلية حازماً، صادق النظر فلماذا لم يشرح الله صدره للإسلام.؟
قال ـ سله ـ سبحانه وتعالى ـ فهو وحده علام الغيوب، وعنده كتاب لم يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها.. على أن السؤالى قائم بالقياس إلى آخرين ليسوا دون دريد حكمة وحزما وصواب رأي.. اذا لم يشرح الله للإسلام صدور الوليد بن المغيرة وعتبة بن ربيعة وأبي جهل بن هشام وكثيرين آخرين قال فيهم أصدق القائلين مخاطباً ورسوله الأمين: (لا تعلمهم نحن نعلمهم)؟ أفتريد أنت والتاريخ والأسطورة أن تسيطروا على من قال الله فيهم لنبيه: لست عليهم بمسيطر.؟
قلت ـ لا سيطرة ولا رغبة فيها.. وإنما غايتي أن أربط الأمة العربية بالإسلام...
قال ـ فلقد ربطها الله به ولن تجد لسنة الله تبديلا.. إن ما أراده الحق لا يمكن أن تغيره الخلق. وليجربوا فذلك حقهم. كنت منذ هنيهة نتحدث عن المصادفات، إلا أنه ليس من المصادفات أن يختار الله النب العربي القرشي الهاشمي الامي ليكون خاتم الأنبياء والمرسلين.. وليس مصادفة أن يختتم به عليه الصلاة والسلام تاريخ ليبدأ تاريخ.. إن نسب القومية العربية في الإسلام لأمر لا يخفى على المنافقين ولا على الملحدين ولا على الشعوبيين.. العرب هم وحدهم أصحاب الصدارة في الإسلام الذي على كواهلهم قام واستقام أمره، وثم تمامه، أفترى هذه