/ صفحه 17/
فالزراعة هي التي تمد الأحياء بالغذاء والكساء، وما من نفع مادي للإنسان إلا كان للزراعة دخل فيه، حتى أن بعض الاقتصاديين، كان يعتبر الزراعة الوسيلة الوحيدة للإنتاج، لأنها المرجع لكل ما يمد الإنسان بالبقاء ويسمى هؤلاء الطبعيين.
والزراعة تشترك فيها عدة قوى، فمخترع آلات الحرث والسقى، ومن يعمل على انتقاء أطيب الأنواع وأكثرها ثمراً، ومن يدير الآلات، ومن يقوم بالسقى والزرع، كل أولئك يعملون في الزراعة.
ولقد أبقى النبي والراشدون من الحكام الأراضى المفتوحة تحت أيدي أهلها، ولم يتول زرعها بيت المال أو تقسيمها بين القائمين، لكى يتفرغ أهلها لزراعتها، ويعملوا على تنمية أسباب الإنتاج فيها بكل الطرق، لأنهم يعلمون أن جزءاً كبيراً من غلتها ستعود إليهم، ولذلك كان خراج الأرض جزءاً من غلاتها لهذا المعنى ويسمى خراج مقاسمة كما أشرنا، وما كان النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وأصحابه يفرضون نقوداً من الدراهم والدنانير على الأرض، بل يؤخذ بعض نتاجها، ليبلغ النّاس بجهودهم أقصاها، وكل سنبلة حب تزيد هي لجماعة النّاس، وتدخل في قوتهم.
30 ـ وإن من أنواع الزرع ما هو مباح في الإسلام بأصله، وهو الكلأ الذي ينبت بغير بذر، ولذلك قال النبي(صلى الله عليه وآله وسلم): ((النّاس شركاء في ثلاثة الماء والكلأ والنار)) فمن نبت في أرضه كلأ من غير بذر يبذر فإن لكل إنسان أن يرعى بما ثبته فيه، وليس لمالك الأرض أن يمنعه، ولكن لا يدخل بالماشية إلا بإذنه، لأنه مالك، ومع ذلك عليه أن يأذن إذا لم يكن في الإذن مضرة له، فإذا كان قد زرع زرعاً تتلفه الماشية إن وطئته فله منعه، وإذا لم تكن مضرة وجب الإذن، وإذا لم يأذن كان لصاحب الماشية أن يطلب من الحاكم إجباره، وإذا كان يدفع الضرر بحصْدِه وتقديمه للماشية من غير دخولها الأرض، فإن ذلك يتبع، وإنما جاز الإجبار عند عدم الضرر، لأن الامتناع عن الإذن منع صاحب حقّ من حقه. إذ صاحب الدواب له في الكلأ حق ثابت مستقر بمقتضى الشركة الطبيعية التي قررها النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، وفي الحقيقة إن الكلأ في أرض مملوكة ملكا خاصاً يتنازعه حقان: