/ صفحه 165/
ومحصل القول أن الفريق الإول مقلدون، جمدوا في فهم آيات القرآن في نعيم الجنة على ظاهر ألفاظ اللغة، ووقفوا عند قشورها، وغفلوا عن لبابها وما اعتاده أهلها في تخاطبهم من التفنن في ضروب التمثيل ومختلف أساليب الكنايات.
والفريق الثاني وهم الصوفية أرباب الأذواق والشطحات، والباطنية أهل الرموز والإشارات أطلقوا أنفسهم من كل قيد لغوى، وتجاوزوه إلى ما لا علاقة له بأساليب اللغة وفنون بيانها، وكلا الفريقين في شطط.
بقى فريق ثالث وهو الفريق الذي يعتمد في فهم آيات القرآن الواردة في وصف نعيم الجنة وملذاتها على لباب اللغة العربية وأساليب التخاطب بها; فإن ذلك هو الحبل الوثيق والعروة التي لا انفصام لها.
هذا الفريق يقول:
إن نعيم الجنة منه ما هو مادي حسي، ومنه ما هو روحي معنوي. ولا نبعد عن الصواب إذا قلنا إن الشرع قد نقل الكلمات الدالة على المسرات من معناها اللغوي الدنيوي إلى معنى اصطلاحي جديد أخروي. فنقل كلمات الخمر واللبن ولحم الطير والحور والولدان من معانيها المعهودة في الدنيا إلى معان أخرى، وهي وسائل اللذات والمسرات التي تكون في الجنة.
وإنما فعل الشرع ذلك تفادياً من وضع كلمات جديدة لهذه المسرات الأخروية ليست من لغة العرب المخاطبين ولا يفهمونها، والحكمة تعتضي أن لا يخاطبهم إلا بما يفهمون لتنص الحجة عليهم.
يقول صاحب كتاب (الدين والعلم) رداً على المعترضين على أوصاف القرآن للجنة:
((يبدو أن رجال الطبقات العليا من هؤلاء المعارضين يقومون بمثل هذا الطعن مقارنين الطبائع البشرية في كل زمان ومكان بإدراكهم هم وعرفانهم ولا يفكرون في أن القرآن لا يخاطب الفلاسفة والحكماء الخاصة وحدهم. وإنما يخاطب الجمهور كذلك، بل ماذا يتصور سكان بريطانيا وفنيسيا من أقطار أوربا