/ صفحه 164/
صاحبها في الدنيا في مقام الخوف والبكاء ولقبض، وبعضها زنجبيللية على طبع الحر واليبس، ويكون صاحبها قليل الالتفات إلى ماسوى الله قليل المبالاة بالجسمانيات. ثم لا يزال الروح الإنساني ينتقل من نوع إلى نوع ومن مقام إلى مقام، إلى أن ينتهي إلى حضرة نور الأنوار، فيضمحل في نور تجليه ساثر الأنوار.
وهنا ناسب أن نذكر كلمة في التفسير الإشاري كما يسمونه. وخير من تكلم في هذا هو الشاطى صاحب الموفقات قال:
((من الناس من زعم أن للقرآن ظاهراً وباطناً، وربما نقلوا في ذلك بعض الأحاديث والآثار، فعن الحسن مما أرسله عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: (ما أنزل الله آية إلا ولها ظهر أو بطن) بمعنى ظاهر وباطن.
وحاصل الكلام أن المراد بالظاهر هو المفهوم العربي، والباطن هو مراد الله تعالى من كلامه وخطابه، فكل ما كان من المعاني العربية التي لا ينبني فهم القرآن إلا عليها فهو داخل تحت الظاهر، وكل ما كان من المعاني التي تقتضي تحقيق المخاطب بوصف العبودية والإقرار لله بالربيوبة فذلك هو الباطن المراد، والمقصود الذي أنزل القرآن لأجله، وكون الباطن هو المراد من الخطاب يشترط فيه شرطان:
أحدهما ـ أن يصح على مقتضى الظاهر المقرر في لسان العرب، ويجري على المقاصد العربية.
والثاني ـ أن يكون له شاهد نصاً أو ظاهراً في محل آخر يشهد بصحته من غير معارض.
فإذن كل معني يستنبط من القرآن غير جار على اللسان العربي فليس من علوم القرآن في شىء)).
وبالشرطين المتقدمين يتبين فساد ما جاء به الباطنية من التفسير، وما ذهب إليه بعض الصوفية من التأويل; فإنه ليس من علم الباطن، كما أنه ليس من علم الظاهر. فهذه كلمة الفصل في التفسير الرمزي والإشاري قد قالها الإمام الشاطىء رحمة الله عليه.