/ صفحه 163/
ويقول صاحب كتاب (الدين والعلم) المشير أحمد عزت باشا: ((وأكبر طعون الرهبان والفلاسفة على الدين الإسلامي موجه إلى أن القرآن ذكر ثواب الآخرة في صورة جدّ مادية، بل صورة شهوانية على زعمهم)).
وهناك فريق ثان وقف في الطريق الثاني; فتغلبت عليه الرمزية والإرشارات الباطنية، وهم طائفة من الصوفية والباطنية، فكلامهم يشعر بأن للأكل والشرب ولحم الطير والفاكهة والخمر واللبن والحور والولدان والأساور والستور والوسائد معاني آخر وراء ما يستفاد منها لغة، وأن هذه المعاني هي المقصودة في الخطاب الإليهي، وبذلك أرجعوا النعيم الجسماني إلى نعيم روحاني.
على أن المشهور أن الصوفية لا ينكرون النعيم الجسماني. وإنما يذكرون ما يذكرون من تأويلاتهم من باب الإشارة.
أمثلة لتفسيرات هذه الطائفة التي تقول بالرمزية:
ذكر النيسابوري في تفسيره عند قوله تعالى: (كلما رزقوا منها من ثمرة رزقاً قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابهاً ولهم فيها أزواج مطهرة):
((قال أهل التحقيق (ويعني بهم الصوفية الذين وقفوا على حقائق الأشياء من طريق الرياضة والكشف): الجنة جنة الوصول، وأشجارها هي الملكات الحميدة والأخلاق الفاضلة، والثمرات ثمرات المكاشفات والمشاهدات والأسرار والإشارات والإلهامات وغيرها من المواهب، وإنهم يشاهدون أحوالا شتي في صورة واحدة من ثمرات مجاهداتهم)).
وقال عند تفسير قوله تعالى: (وحلوا أساور من فضة).
قال بعض أهل التأويل: أساور اليد أعمالها وأكسابها التي صارت ملكات نوارنية بها يتوسل إلى جوار الحضرة الصمدية كما أن الذهب والفضة في الدنيا وسائل إلى تحصيل المطالب العاجلة. ثم ختم جزاء الأبرار بقوله: (وسقاهم ربهم شراباً طهوراً) وذكر أصحاب التأويل أن الانوار الفائضة من العالم العلوي متفاوتة في الصفاء والقوة والتأثير; فبعضها كافورية طبعها البرد واليبس، ويكون