/ صفحه 14/
وأما كلمة ((النّاس)) في الحديث فالمراد بها هؤلاء المشركون أو الكفار الذين أباحت الآيات التي تلونا قتالهم، وبذلك أتفقت الآيات بعضها مع بعض، واتفقت مع الحديث وسقط ذلك الزعم الباطل.
تفنيد الشبهة الثانية:
ولننظر على هذا النحو أيضا في إقتران عزوة بدر بموضوع مصادرة أموال الأعداء، ولا ريب أن الحرب ليست خاصة بالقتل والقتال، ولكنها كما تكون بذلك تكون أيضا بكسر شوكة الأعداء، عن طريق مصادرة أموالهم التي عليها يعتمدون.
وأظن أن هذا نوع من الحرب معروف فيما بين دول العصر الحاضر وقد صودر المسلمون في أموالهم وأخرجوا من ديارهم، وأذن لهم أن يفعلوا بأعدائهم مثل ما فعلوا بهم: مصادرة بمصادرة، وتربص بتربص، وأكبر دليل على أنهم لم ينبعثوا عن رغبة في السلب والنهب والاستيلاء على الأموال أنه لم يؤثر عنهم التفكير ولو مرة واحدة في أن يتجهوا إلى غير قريش فيسلبوا وينهبوا، وقد كانوا يعيشون مع اليهود فعاهدوهم وأمّنوهم وأحسنوا جوارهم، وظلوا محافظين على جوارهم وعهودهم إلى أن نقض هؤلاء عهودهم واتصلوا بمشركى قريش وألبوا عليهم. فلو كان المسلمون يصدرون عن طبيعة حب السلب والنهب لوجدوا في أموال غيرقريش، ما وجدوه في أموال قريش ولا تجهت نفوسهم إلى السلب من كل ما يمكنهم أن يتجهوا إلى سلبه، فاتخاذهم أموال قريش غرضاً خاصاً ليس له سبب ما، إلا أنهم وجدوا أنفسهم في حرب معهم كما تشهد به الأطوار التي مرت بهم وهم في مكة حتى أخرجوا منها وقد سبقت هذه الغزوة سرايا، لم تكن للمال، ولا لترصد التجارة، وإنما كانت مناورات واستطلاعات كالتي تتقدم بين يدي الحروب في العادة تحرشاً بالأعداء الذين ثبتت عداوتهم منهم الاعتداء.