/ صفحه 13/
إباحة البر بغير المعتدين:
على أن الإسلام يذهب إلى أبعد من هذا ولا يقف عند مجرد الكف عن العدوان حيث لا عدوان، ولكن يتيح للمسلمين أن يحسنوا ويقسطوا مع الذين يخالفونهم في الدين ماداموا لم يقاتلوهم ولم يخرجوهم من ديارهم.

(لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين).

إباحة معاملتهم ومصاهرتهم:
بل يذهب إلى أكثر من هذا، يذهب إلى مخالطة أهل الكتاب في الطعام والشراب، وإلى إحلال مصاهرتهم وما أدراك ما المصاهرة؟ هي العلاقة التي تتكون بها الأسر، وبها يمتزج الطرفان ويشتركان في التناسل والمسئولية عن تربية الأبناء، وهذا أسمي ما يتضاءل أمام روعته أحدث مبدأ في العلاقات الدولية العامة.
ومن هنا يتبين ما قررناه من أن الحرب في الإسلام لم تكن للاكراه على الدين، وأن اقترانها بانتشار الدعوة ليس دليلا ولا شبه دليل على سببية الحرب في هذا الشأن.

شبهة في آية وحديث:
بقى أن بعض الخصوم تمسك بقوله تعالى: (يأيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة). وزعموا أن الدين الاسلامي يأمر بقتال الكفار عامة حصل اعتداء منهم أم لم يحصل حتى يؤمنوا ويدينوا بالاسلام.
وكما تمسكوا بظاهر هذه الآية تمسكوا بحديث ((أمرت أن أقاتل النّاس حتى يقولوا لا إله إلا الله)) والواقع أن الآية ليست واردة في بيان سبب القتال، وإنما جاءت إرشاداً لخطة حربية عملية يجب أن يترسمها المسلمون عند نشوب القتال المشروع; فهي ترشدهم إلى وجوب البدء عند تعدد الأعداء بقتال الأقرب فالاقرب، عملا على إخلاء الطريق من الأعداء المناوئين، وتسهيلا لسبل الانتصار، وهذا المبدأ الذي قرره القرآن من المبادئ التي تعمل بها الدول المتحاربة في العصر الحديث: فلا تخطو دولة محاربة إلى دولة أو قوة بينها وبينهم دول أو قوى محاربة عملا على الاطمئنان إلى زوال العقبات من الطريق.