/ صفحه 133/
ارتكاب أخف الضررين:
وكما أخذنا من وحي المسائل هذه المباديء الثلاثة: مبدأ السؤال عما يقع، ومبدأ عدم الوساطة بين الله وعباده، ومبدأ أن الرسول جاء لبيان الأحكام لا لبيان الحقائق الكونية، أخذنا منه مبدأ رابعاً وهو الإرشاد إلى ارتكاب أخف الضررين إذا لم يكن بد من أحدهما وذلك كما رأيناه في السؤال عن القتال في الشهر الحرام، فإن القرآن مع تقريره أنه ذنب كبير وأثم عظيم، قد قرر أن غيره مما ارتكبه المشركون من الصد عن سبيل الله والكفر بالله والصد عن المسجد الحرام وإخراج أهله منه، وما يرتكبونه من الفتنة عن دين الله، أشد عند الله من القتل في الشهر الحرام، فلا بأس فيها ارتكبه الذين قاتلوا في الشهر الحرام لهذه الاعتبارات التي هي أشد منه جرماً وأعظم إثماً. وقد كان لهذا المبدأ آثار عظيمة في التشريع الإسلامي فقد أبيح به أكل الميتة للضطر، وشرب الخمر لأساغة اللقمة، كما أبيح به تشريح أجسام الموتى لمعرفة علة الموت وتحديد مسؤلية الجناية، ونرى هذا المبدأ مطبقاً في كثير من أفعال الإنسان في أوقات الضرورة والحاجة.

التحريم للضرر الغالب وإن وجد نفع مادي:
وكما أخذنا من وحي هذه المسائل المبادىء الأربعة أخذنا مبدأ خامساً وهو: أن تحريم الله للفعل إنما يكون للضرر الخالص أو الإثم الغالب، وإن كان فيه بإزاء هذا أو ذاك نفع في جهة ما، وذلك كما يتبين من السؤال عن الخمر والمسير ((قل فيهما أثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما)).