/ صفحه 132/
أو عدمه، ولا منابع النيل ولا كيفية سيره، ولا كيف تتكون الأمطار ولا كيف يحدث البرق والرعد والصواعق، فإن ذلك ونحوه قد تركه الله للإنسان يبحثه بعقله فيصل به إلى ما يصل إليه إن خطأ وإن صوابا، ولا حرج عليه في شيء من ذلك، وهو نظر البحث في كيفيات الزراعة والصناعة والتجارة والعلاج والحروب وما إليها من الشؤن التي وكل الله معرفتها وتحرى المفيد منها إلى تجارب الإنسان وتقديره، وهذان نوعان لا سلطان للتشريع الإلهي عليهما ولعلهما هما المقصودان بما يؤثر عن الرسول من قوله: ((أنتم أعلم بدنياكم)).
السؤال عن الواقع لا عن الفروض:
وكما أن الأسلة لا يصح أن يقصد بها بيان الحقائق لا يصح أن يطلب بها بيان أحكام الفروض: فإن أسئلة المؤمنين التي وردت في القرآن لم يتجه بشيء منها إلى مفروض يقدر حصوله ثم يطلب الجواب عنه، وقد جرى على هذا المبدأ علماء الإسلام فحافظوا على أن يكون اشتغال المسلمين بالسؤال والجواب في دائرة الواقع الذي ينفعهم في دينهم ودنياهم; فلم يعرف عنهم أنهم فرضوا مسائل وكلفوا أنفسهم البحث عن أجوبتها، وإنما كانوا يبحثون عن أجوبة ما وقع أو ماهو بصدد الوقوع في مجرى العادات، ولكن قد جاء الخلف بعد ذلك فشغلوا أنفسهم بتخريج أجوبة لفروض وتقديرات على القواعد المذهبية للمتقدمين.
ولعل ذلك كان أثراً لشيوع فكرة إغلاق باب الاجتهاد مصموماً إليها حب التنافس في التخريج الفقهي المذهبي، وحب الظهور للعلم ودقة البحث أمام الأمراء والولاة.
لا وساطة بين الله وعباده:
وكما أخذنا هذين المبدأين من وحي هذه المسائل، أخذنا أيضاً من وحيها أنه لا وساطة بين الله وعباده، كما دل عليه أسلوب قوله تعالى: ((وإذا سألك عبادي عني فإني قريب)) وبذلك بطلت الوساطة الكنسية ووساطة التوسل بالأنبياء والأولياء، فضلاً عن الاستغاثة والاستعانة بهم فيما لا يملكه أحد من العباد ((قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا، أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه)).