/ صفحه 131/
بناء الأحكام على الوسائل الطبيعية:
ومن ذلك نعلم أن القرآن في أحكامه وإرشاداته ينظر إلى الوسائل الطبيعية التي تعم الناس أجمعين بمقتضى طبيعتهم لا بمقتضى تقدمهم وارتقائهم، ومن ذلك نرى الشريعة تربط الحكم بدخول الأشهر برؤية الأهلة إن لم يكن بالسماء غيم، وبعدد الأيام إذا كان بها غيم، وتربط السفر الذي يترتب عليه تغيير الأحكام بالسفر الطبيعي وهو سير الأقدام والإبل.
الحكم في وسائل الإنسانية الحديثة:
والمسألة ذات النظر الآن هي: هل يبقى الناس متمسكين بهذه الوسائل الطبيعية إذا ماتقدمت الإنسانية وارتقت وعرفت بالعلوم والمعارف وسائل غير هذه الوسائل الطبيعية، أو يصح لهم أن يعدلوا عن هذه الوسائل الطبيعية إلى الاعتماد على تلك الوسائل الإنسانية الجديدة؟
ومعنى هذا: هل يصح اعتماد الحساب في معرفة الشهور وترك الرؤية جانباً، والاعتماد في تقدير السفر على ما أحدث من وسائل سريعة كالقطارات والطيارات، أو يظل الأمر على ما كان عليه فلا نصوم إلا بالوؤية ولا نقدر السفر المبيح للترخص إلا بسفر الأقدام والإبل؟ هذا محل نظر واجتهاد، وقد تناوله فقهاء المتأخرين فتمسك، الجمهور بالأصل، ورأى آخرون السير مع ما أحدث، وليس الخلاف إلا خلاف وسائل، والمعول عليه العلم والتحقق من دخول الشهر، أو المشقة وعدمها في السفر، والحكم معروف والحكمة بينة. وقد عرضنا لهذه المسألة رجاء بحثها ومعرفة مايُطَمئن القلب فيها.

الرسول جاء لبيان الأحكام:
وفي صرفف السائلين عن العلة إلى الحكمة يتبين أن الرسول إنما جاء لبيان الأحكام لأنفعال المكلفين لا لبيان الحقائق الكونية، فلا ينتظر أن يسأل: ما رأى الدين في جوهر السماء ولا طبقات الأرض، أو مارأى الدين في صلاحية القمر أو المريخ للسكنى أو عدم الصلاحية، أو ما رأى الدين في كروية الأرض